رمضان في فرنسا – تجربة ثلاثة لاجئين ليبين بلا مأوى

باريس – ميدل ايست اي – ترجمة المختار العربي

 مقال – توم ويسكوت

يجلس في الشارع في زاوية من مخيم للاجئين الشرعيين في باريس، ثلاثة ليبيين يقتسمون وجبة السحور قبل فجر أحد ليالي رمضان و الذي سيمثل بداية صعبة لـ 18 ساعة أخرى من الصيام. وبينما يغطون بمئزر طعامهم ا الذي تبرعت بها الجمعيات الخيرية الباريسية داخل حقيبة ظهر ، يدور نقاش بينهم حول توقيت شروق الشمس بالضبط ، في محاولة لتحديد ما إن كان لديهم الوقت لتدخين سيجارة أخرى ملفوفة يدويا أو أخذ شربة من الماء

مزاح حزين يخفي محنتهم – المعوزون في شوارع باريس ، في بلد لا يتكلمون ولا يفهمون لغته

يتبادلون رواية الذكريات عن شهر رمضان في ليبيا وهم يقلبون الصور على هواتفهم المحمولة، مقارنين صوراً لوجبات الإفطارفي بيوتهم في الأيام الخوالي – ولائم مزينة بأطباق الطعام الشهية

“هناك جمعيات خيرية ومواطنون يجلبون الطعام إلى المخيم، لكنها دائما ما تكون باردة ” يقول حمدي البالغ من العمر 18 عاما وكان الطقس باردا “. “أحيانا يجلبون الطعام الساخن، ولكن ذلك لا يكفي للجميع والناس يتقاتلون من أجل ذلك. أنا لا أذهب للقتال من أجل الغذاء، وأفضل الجوع على ذلك “

وأضاف بحزن أن المرة الأخيرة التي حصل فيها على وجبة ساخنة لائقة كان في ليبيا، قبل ثلاثة أسابيع، قبل الانطلاق في مغامرته الأوروبية

حمدي ينحدر من بلدة تاورغاء، حيث تم تهجير جميع السكان في عام 2011 بعدما أُتهم الجنود المنحدرون من المدينة والتابعين للقوات الموالية لنظام معمر القذافي بارتكاب جرائم حرب. لمدة خمس سنوات، عاش في مخيم مؤقت للنازحين في طرابلس. مهمشا بسبب إنتمائه لتاورغاء ، غير قادر على الوصول إلى تعليم جيد وشعر أنه من المستحيل تصور أي نوع من المستقبل في ليبيا. تكاتفت جهود عائلته من أجل تجميع 730 دولاراً لكي يستطيع ركوب احدى لقوارب المطاطية المكتظة بالمهاجرين غير الشرعيين وعبور البحر المتوسط إلى أوروبا

“غادر كثير منا – من تاورغاء – ليبيا لأننا شعرنا بأننا غرباء في بلدنا”  . يقول حمدي “لم يكن هناك مستقبل بالنسبة لي هناك”

وعلى الرغم من أنه نجح في الوصول إلى أوروبا منذ أقل من شهر، يقول حمدي انه ليس واثقا من أن قرار الهجرة كان صائبا، و انه لم يتوقع مدى صعوبة الحياة هنا

الليبيون الذين يلتحقون بقوارب المهاجرين غير الشرعية نحو إيطاليا غالبا ما يتم التقليل من أعدادهم ، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن كثيراً منهم يعلن جنسية مختلفة لدى وصوله، مثل مالك البالغ من العمر 19 عاما من مدينة بنغازي، الذين فر من ليبيا قبل 10 أيام، قرر بعد عامين من الحرب الدائرة هناك ركوب الأمواج نحو أمل مبهم ، تاركا منزله و المدينة في حالة خراب

قيل لي ان اقول للايطاليين : أنني فلسطيني لأنهم يعتقدون أن أي ليبي يصل على متن القوارب هو من المهربين، لذلك رميت جواز سفري في البحر. واضاف لكن المترجم في إيطاليا كان فلسطيني الأصل وعندما أخبرته أنني من مدينة فلسطينية عرفت اسمها من خلال التلفزيون شك في أمري وتيقن أنني أكذب لكنه لم يستطع أن يثبت هذا الأمر لذلك تم تسجيلي في نهاية المطاف بأنني فلسطيني

لا تزال ياقة قميص مالك الأبيض تحمل آثار الحبر الأزرق وهو يحاول مقاومة الشرطة الايطالية عند أخذ بصمات أصابعه. استسلم بعد أن شاهدهم يستخدمون مسدسات الصعق الكهربائي على الآخرين الذين رفضوا قبله. اثنان من المهاجرين السودانيين الذين يعيشون في نفس المعسكر الباريسي قالوا أن 10 من الرجال من قاربهم تم صعقهم لنفس السبب

عشرة أيام يعاني شظف العيش في إيطاليا وفرنسا، استطاع خلالها بعض المهاجرين التونسيين والمغاربة خداعه وأخد ما كان لديه من مال ، بضع مئات من اليوروات أحضرهم معه من ليبيا، مما زاد من مشقته

وقال “كنت اعتقد أن أوروبا جيدة، ولكني الآن أرى أنها ليست كذلك. “وقال أن ليبيا لديها الكثير من المشاكل، ولكن لدينا الكثير من المشاكل هنا أيضا” ثم تنهد.إذا استطعت الحصول على مكان للعيش سأبقى، ولكن الآن أريد فقط العودة إلى ديارنا، لا سيما وأنه هو شهر رمضان، وهو وقت تجتمع فيه الأسرة بالنسبة لنا

الكبرياء والخوف جعلا محمد البالغ من العمر 24 عاما، وهو جندي سابق في الجيش في عهد القذافي وأحد الذين فروا من طرابلس في عام 2011، يبقى في أوروبا على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث حاول وفشل حتى الآن في بناء حياة جديدة لنفسه

في ليبيا، وكان لدي كل شيء – السيارة، والمال، منزل، عضلات كبيرة وحياة”. ولكن، بعد أن قتل القذافي، اضطررت الى ترك كل شئ لأنني كنت أعلم أنهم ربما يقتلونني أيضا

حقيبة صغيرة تحمل ممتلكاته الدنيوية – ملابس، هاتف محمول وشاحن. خمس سنوات من النوم الشاق في المدن أوروبية تركت بوضوح على عينيه الواسعتين الهزيلتين آثارا  . تراسله والدته دائما مطالبة ببعض الصور، ولكنه يجد دائما ذريعة لعدم إرسال واحدة

سأكسر قلبها إن رأتني على هذه الحالة وقد فقدت الكثير من الوزن ، يقول محمد

بعد إعادته إلى إيطاليا – حيث انه مسجل كلاجئ منذ عام 2011 – من ثمانية بلدان أوروبية أخرى، يقول محمد إنه يخشى العودة مرة أخرى إلى إيطاليا، حيث لا يقدمون أي دعم للاجئين. بعيدا عن كونها بوابة لحياة جديدة في أوروبا، يمكن لإيطاليا أن تكون عقبة تمنع المهاجرين من الاستقرار في أماكن أخرى في أوروبا ويتم تسجيل أي مهاجرين دخلوا عن طريق ايطاليا ببصمات أصابعهم في قاعدة بيانات أوروبية تمنعهم من أن ينتقلوا للعيش في أي مدينة أوروبية أخرى

 قيل لي إن فرنسا لا يهتمون ببصمات الأصابع، لذلك أحاول الحصول على اللجوء هنا. كل ما أريده هو العثور على وظيفة وتوفير ما يكفي من المال لشراء سيارة جميلة وبعد ذلك يمكنني أن أعود إلى الوطن. لا أستطيع العودة بدون تحقيق أي شئ بعد خمس سنوات، ذلك سيكون مخزيا 

الليبيون الثلاثة من بين العديد من اللاجئين الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى وعمل في أوروبا، وإخفاء حقيقة محنتهم عن أسرهم في الوطن، يديم عن غير قصد أسطورة أن أوروبا تقدم حلا سحريا لأولئك الهاربين من الحرب والفقر والاضطهاد

خيبة الأمل التي تنتابهم تجاه أوروبا لا يعد شيئا بالمقارنة إلى ما يشعرون به تجاه بلدهم. محمد، مالك وحمدي لا يزالون من مؤيدي نظام القذافي السابق،الذي يعتقدون أنه بزواله اتخذت ليبيا طريقها للهاوية بعده

في الماضي ، كانت ليبيا بلداً عظيماً حيث كان لي مستقبل جيد، يقول مالك، شاجباً تدخل حلف شمال الأطلسي عام 2011

أنظر إلى بلدي الآن – لا مال ، لا نفط، لا سلام، ولا استقرار. لن أفكر أبدا في أن اركب قارباً باتجاه أوروبا إذا كان زعيمنا لا يزال على قيد الحياة. لربما ذهبت إلى أوروبا من خلال برنامج المنح الدراسية بدلا من ذلك 

يمرر محمد الصور على هاتفه، الذي يمتلئ بذكريات مجد ليبيا السابق – صور ومقاطع فيديو للزعيم السابق للبلاد، صور لنفسه وهو بالزي الرسمي يحمل أسلحة تفوقه طوله مرتين ، وصور أخرى من أيام التسكع على شاطئ طرابلس مع الأصدقاء. ناقش الثلاثة كيف أنهم يرحبون بعودة أحد أبناء القذافي لتقلد مقاليد السلطة في بلادهم – ذاكرين ابنه سيف الإسلام، المسجون منذ عام 2011 في الزنتان، أو حتى ابنته عائشة، التي تعيش في المنفى في عمان

محمد اختار واحدة من العديد من الأغاني التي تمجّد القذافي من هاتفه، التي صاغها مطرب ليبي يعيش حاليا في المنفى في تونس، وبينما ترددت أصداء اللحن في فجر باريس الضبابي، غنى الشبان الثلاثة جنبا إلى جنب في انسجام تام. عندما انتهت الأغنية، رفعوا أيديهم في تحية الاربع أصابع التي كان شعارا لمناصري القذافي خلال ثورة 2011: الله، معمر، ليبيا وبس

بعد خمس سنوات من وفاته ، وحتى على بعد 2،800 كم عن ليبيا – في فرنسا – لا يزال معمر القذافي في وجدان مناصريه حاضرا بقوة . وهؤلاء الليبيون المهاجرون ليسوا وحدهم – حيث تعبر وجهة النظر هذه عن جزء من الليبيين الذين ما زالوا يحنون للحياة في ظل زعيمهم السابق، بما في ذلك بعض المقاتلين الثوريين السابقين الذين ينظرون الآن إلى انتفاضة العام 2011 بأنها خطأ

بعد رؤية خيوط الفجر الأولى، يستعد الثلاثة للعودة إلى خيامهم التي يتقاسمونها مع مهاجرين تونسيين

نحن نعيش “الحلم الأوروبي” يقول محمد وهو يشير حولنا الى الخيام المكتظة والمتراصة على الارصفة الباريسية، والتي تؤوي مئات من اللاجئين المشردين من أفريقيا وأفغانستان

واضاف : ألقي نظرة على واقع هذا الحلم . في ليبيا، كان لدي كل شيء. هنا ليس لدي أي شيء 

عاد الحديث لفترة وجيزة عن حفلات الإفطار في ليبيا وناقشا الأطباق المفضلة في ليبيا – بازين، المعكرونة، الهريسة، وقطع البسبوسة المشبعة بالعسل. على الرغم من كونه معّوزين وغالبا ما يعانون من الجوع لأيام، التزم الثلاثة شبان بصوم رمضان مع نفس الالتزام كما لو كانوا في ليبيا، مهما حدث

بالتأكيد. سيكون هذا يوم آخر طويل “يقول مالك ، ولكن الله سيكون معنا 

عندما سمع كبار الموظفين في السفارة الليبية في باريس أن هناك ثلاثة ليبيين بلا مأوى في باريس، أعربوا عن صدمتهم. وقالوا أن أي ليبي في مثل هذه الحالة ويرغب في العودة طوعا إلى ليبيا، ان السفارة ستنظم وتغطي تكاليف العودة إلى الوطن.

الرابط الأصلي للمقال 

http://www.middleeasteye.net/news/ramadan-homeless-libyan-refugee-france-801711021

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر