مصر رقم صعب بخريطة الاقليم

يعيش اقليم الشرق الاوسط اعادة ترسيم من جديد، وحقيقة الامر لو تأملنا مشهد الاقليم جيدا بعد سقوط بغداد، ثم تمزيق سوريا، ثم تدمير اليمن، ثم استنزاف ليبيا بعد الانتقام من القذافي الذى تمرد على النفوذ الفرنكوفوني بافريقيا، بل وهدد عرش العملات الغربية بالدينار الاسلامي الذهبي، سنجد أن تداعيات الحرب السورية ومشهد الاستانة يكتب لنا أول سطر فى شكل الخريطة الجديدة للاقليم، ويحدد لنا من هى القوة الرئيسية بأقليم الشرق الاوسط، وبكل وضوح سيتجلى لنا فى البداية طرفين كانا متواجدين كقوة أساسية منذ غزو افغانستان 2001م الا وهم ايران وتركيا وربما نفتقد أحدهم غدا، فمن الطبيعي ان تكون ايران الممتدة نفوذا من مزار شريف شمال افغانستان حتى سواحل البحر المتوسط ببيروت، وتركيا المتداخلة فى سوريا والعراق وصاحبة الاذرع الطويلة لتنظيم جماعة الاخوان المسلمون بدول المنطقة، أن يكونا أعمدة أساسية بشكل الخريطة الجديد، ولكن بات الشكل الجديد للخريطة يفتقد الضلع الثالث، الضلع الذى يعكس رؤية الغالبية من سكان الاقليم، وهنا يأتى الملف الليبي على السطح لكي يطرح لنا أجابة لتلك المسألة، فأذا كانت سوريا والعراق منحونا الضلع الاول والثانى، فليبيا وملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يمنحونا الضلع الثالث، وعند ذكر الملف الليبي تلقائيا سنذكر مصر التى تعد رقم يستحيل تجاوزه فى الحرب الليبية لدورها المباشر سياسيا واقتصادية وعسكريا فى دعم المؤسسات الشرعية بالدولة الليبية فى مقدمتها البرلمان الليبي الممثل الشرعي الوحيد للدولة الليبية وجيشها الوطنى بقيادة المشير خليفة حفتر، فى الوقت الذى يتقدم فيه الجيش الوطني الليبي على الارض بعد تحرير قنفودة، قبل أن يصرح خليفة حفتر بضرورة الاستعداد لتحرير طرابلس بعد تحرير قنفودة، فى ظل الوقت التى تشهد فيه طرابلس بكل ما عليه من مكونات سياسية مشبوهة، وتنظيمات مسلحة مجهولة، حالة من الارتباك والتخبط غير عادية، الامر الذى أجبر محمد الغصري الناطق بأسم عمليات البنيان المرصوص على التوجه للجزائر بحثا عن من يدعم مليشيات المرصوص وأخواتها

وأن كان الملف الليبي حاليا ينتظر تطورات جديدة جذرية، خاصة بعد أن دخلت روسيا بشكل مباشر فى تطور غير مسبوق بعد استقبال حاملة المقاتلات كوزينتسوف المشير خليفة حفتر قبالة السواحل الليبية، فبكل الدور المصري القادم سيأتى بضوء أخضر من موسكو الصديقة للقاهرة، وواشنطن فى ظل أدارة دونالد ترامب الذى تربطه علاقات قوية بالرئيس المصري (على حد تعبير ترامب)، خاصة وأن أكثر أتصالات أجراها ترامب مع رئيس أخر كانت للرئيس المصري، وهذا أمر يعكس تصريحات ترامب أثناء فترة الانتخابات عندما صرح بانه سيعتمد على الرئيس المصري والعاهل الاردني لمحاربة الارهاب، فبالعاصمة الاردنية عمان وبرعاية واشنطن وموسكو يتواجد وفد امني سوري رفيع المستوى لاول مرة منذ أكثر من خمسة اعوام يبحث مع نظيره الاردني استعادة تدمر، وبنفس العاصمة الاردنية وبرعاية واشنطن وموسكو أيضا يتم وضع سيناريو انهاء الملف الليبي، بالتزامن مع اللقاء المرتقب بين حفتر والسراج بالقاهرة (الطرف الاكثر اهتماما بعدم انجرار ليبيا الى سيناريو سوريا الاستنزافي الطويل بعد خلق عشرات الجماعات المسلحة)، فالاردن ومصر رقم يستحيل تجاوزه بالملف السوري والليبي، ولعل الايام القادمة تبرز ذلك على السطح

وأذا كان الملف الليبي سيمنح مصر الاولوية فى طرح الرؤية والتواجد، لما قدمته مصر عسكريا وسياسيا من تضحيات وجهود لوحدة التراب الليبي، فسيبقى الملف الفلسطيني الذى ظل على عاتق مصر منذ البداية هو المعضلة امام القيادة المصرية، فالرئيس الامريكي الجديد من السهل أن يتراجع فى اي قرار صدر منه سواء كان ضد الصين او ايران او السعودية او قطر، ولكن من الصعب التراجع عن وعوده لتل أبيب، وتجلى ذلك أثناء تقديم مصر لمشروع تجريم الاستيطان بمجلس الامن، وكيف جائت ردة فعل ترامب، وكيف ردت مصر بالابتسامة فى وجه ترامب، قبل الموافقة على القرار بعد أن تقدمت به كلا من ماليزيا وفنزويلا والسنغال ونيوزيلاندا كما صاغته مصر دون أي أضافة او حذف، ولذلك كان من الضروري فى ذلك التوقيت أن تأتى الاستدارة السريعة تجاه الملف الفلسطيني الذى يشهد حالة أنقسام واختلاف بين أبناءه لا نهاية لها، وجائت الترجمة بفتح معبر رفح على مدار الشهور القليلة الماضية اكثر من مرة، خاصة بعد أن باتت العلاقات بين القاهرة وابو مازن فاترة بعض الشيء بعد موقفة من الرباعية العربية (مصر والسعودية والإمارات والأردن)، الى أن جائت زيارة وفد من حماس بقيادة نائب رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية الى القاهرة قادما من الدوحة، وهى الزيارة التى جائت بضغوط من طهران وموسكو على حركة حماس، وهنا أستطاعت مصر فى وقت قصير أعادة ترتيب أوراقها بالملف الفلسطيني، خاصة وأن أنقرة باتت على مسافة قريبة من تل أبيب بل وأقرب من اي دولة اخرى

فمصر دولة غير متهمة بدعم التنظيمات الارهابية، ويديها ليست ملطخة بالدماء كحال أغلب الانظمة المنخرطة فى الملف السوري والعراقي واليمني، وتتمتع بعلاقات جيدة مع موسكو وواشنطن، كما أنها الدولة الوحيدة بالاقليم التى تملك الادوات العسكرية التى تمكنها من لعب أي دور خارج حدود أراضيها بامتياز، كما أن دورها التاريخي وجغرافيتها المتميزة يطلعوها على التواجد بالخطوط الخلفية لشمال افريقيا أي دول الساحل الافريقي، وعدم الاقتصار على جبهتها الشمالية أو الغربية فقط، كما أن مواقفها تجاه كافة الملفات أكدت أنها تملك عقلية  متزنة واقعية قادرة على صياغة العملية السياسية بالاقليم

وكما جاء تعقيب هنية على زيارته للقاهرة قائلا “أن العلاقات بين القاهرة وحركة حماس تشهد نقلة نوعية” فأنا أكمل وأقول أن خريطة الاقليم تشهد نقلة تاريخية، وعلينا الانتباه لكل ما يدور بالكواليس قبل أن يظهر لنا على السطح

فادى عيد

الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر