الصدق والنفاق : كلمات لوجه الله

‏‫لم يكدّ يمر أسبوع واحد منذ أن استلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض ؛ حتى انطلقت حملة إعلامية عالمية استهدفت الإدارة الجديدة بسبب القرار الذي اصّدره الرئيس ترامب  عصر يوم الجمعة الماضي السابع والعشرون من يناير والخاص بفرض قيود على منح تأشيرات لجوء وهجرة وزيارة لرعايا سبع دول غالبية سكانها مسلمون ، وهو ما أطلق موجة من ردود الأفعال منها ما هو محلي من قبل بعض أعضاء الكونجرس ، وعدد محدود من حكام الولايات والقضاء ووصل الأمر حد اعتراض وزيرة العدل المكلّفة ، ورفضها الدفاع عن قانونية هذا القرار الرئاسي والذي رد عليه البيت الأبيض بقرار صرفها عن عملها وتعيين بديل لها حتى موعد موافقة الكونجرس على المرشح المقترح من قبل الرئيس ترامب لشغل هذا المنصب

وقبل أن ننجرّ مثلما انجرّت كثير من وسائل الإعلام ، وترديد ما يقال ، وترجمة بيانات تعبر عن نيّات أصحابها أكثر من تعبيرها عن الحقيقة ، وقبل أن نصدّق ؛ أن مصلحة العرب والمسلمين في سبع دول “إسلامية” أو غالبيتها مسلمون أو عرب أو أي من هذه التسميات تهم من يهاجمون الرئيس الأمريكي اليوم ؛ دعنا نقف للحظات لنتأمل هذا المشهد الذي تغّلب عليه العصابية وأخذت ردود الأفعال فيها منحىً هستيرياً وربما .. خبيثاً

دونالد ترامب رئيس أمريكي .. وقراراته أمريكية

الرئيس الأمريكي وصل إلى أن يجلس في المكتب البيضاوي بعد حملة انتخابية طويلة وشرسة ، أطلق فيها العديد من الوعود التي وجد فيها كثير من المواطنين الأمريكيين وعودا تخاطب اهتماماتهم ومشاكلهم، وبعيداً عن المسائل الخلافية التي تعلقت بالمهاجرين أو بالأديان ، كانت القضايا الإجتماعية والإقتصادية حاضرة بقوة خلال هذه الحملة والتي راهن كثير من المراقبين في ذلك الوقت ؛ أن دونالد ترامب لن يستطيع أن يحافظ على أي منها نظراً لكونها صعبة التحقيق أو لعادة من سبقه في هذا المنصب في التنصل أو نسيان بعض من وعودهم قبل انتخابهم

وانتظر كثيرون خطبته الأولى عند درجات الكابيتول هيل أمام مجلس الكونجرس متوقعين أن يكون خطابه مخالفا لنبرته خلال حملته الإنتخابية ليطمئن الجميع ، ولكنه بطريقته الخاصة استعمل نفس الأسلوب الذي استعمله قبل انتخابه ؛ الخالي من المجاملات .. مؤكداً على أنه لن يتراجع عن برامجه التي وعد بها الناخبين والشعب الأمريكي

ومنذ اليوم الأول بدأ الرئيس الأمريكي بإصدار الأوامر الرئاسية التي تتعلق بوعوده الرئاسية ، وهي في حقيقة الأمر تهم بالدرجة الاولى الشعب الأمريكي و وتتعلق بما يراه البيت الأبيض متماشياً مع مصلحة الشعب الأمريكي ، ببساطة شديدة هي قرارات أمريكية ، ولأن امريكا هى ( الاقوى ) في العالم فهي تهم الدنيا بأسرها .. ولكن كيف ؟ بالذات في هذه المرة

قرار حظر التـأشيرات المؤقت هو بالتأكيد قرار صادم ، وهناك حاجة للنظر إليه خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأشخاص حصلوا فعلاً على تأشيرة رسمية من سفارة أمريكية وكانوا في طريقهم إلى الولايات المتحدة مهاجرين إليها بعد أن تركوا أعمالهم وباعوا ممتلكاتهم،  ولكني لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تخّفي اعتقادها بأنه ينصّب في مصلحة الولايات المتحدة ،  ولربما أرادت أن يعلم الجميع أن هذه الإدارة لن تتوانى عن الإلتزام بوعودها ولن تسلك في هذا مسارات ملتوية أو “منافقة” إن صح التعبير

ردود أفعال دولية ضد القرار .. لدول تمنع إعطاء التأشيرات

تسابق قادة ومسؤولون كبار في دول “غربية” لإدانة هذا القرار في سرعة وزخم كبيرين ، لم نعتد نحن المسلمون المنتمون إلى أمة يتدافع مئات الآلاف منها نحو حتفهم عبر امواج وعواصف البحر المتوسط العاتية ، ليموت منهم الألاف ، ثم ليصل بعضهم ممن كُتبت له السلامة إلى شواطئ القارة العجوز ( اوروبا )  ليقابلوا بالأسلاك الشائكة والمعسكرات البائسة ، وبعض الصحافيين الذين يسجلون مآساتهم

وآخرون وإن قل عددهم الذين يقومون بعرقلة الفارين من جحيم المآسي التي تجتاح مدنهم وقراهم ليسقطوا وهم يحملون فلذات أكبادهم ولتتساقط معهم بقايا تاريخنا الذي كنا نتغنى به ، وحاضرنا المعقّـد ومستقبلنا المجهـول ، حدث كل هذا ولم نرى إلا بعض القادة الأوروبيين ، وربما المستشارة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل فقط التي لم تستطع أن تقبّـل هذا التعامل القاسي مع لاجئـين لا حول لهم ولاقوة

في اليومين الماضيين سمعنا أصواتا لدول تعترض على منع رعايا الدول السبع الاسلامية ( ولو انه لا وجود ولا معنى لذلك ؛ لأنه ليس هناك دولة إسلامية او دولة كافرة ، ولو كانت حقاً لها علاقة بإسلام وتعاليمه لما وصلت الى ما وصلت اليه من اوضاع مأساوية وإجرام بين مواطنيها وحروب ضروساً ممتدة منذ اكثر من ست سنوات ، ودخلت السابع الأعجف  ) ، منعهم  من الحصول على تأشيرات أمريكية علماً ، بأن هذه الدول التي تذرف دموع التماسيح  بالذات لا تمنح تأشيرات لمواطني ذات البلدان ، ولكنها لم تعلن هذا للملأ ، ولم تصدر قرارات رئاسية او ملكية بذلك ، نعم فطالما يبتسمون في وجوهنا لا ضير من بعض النفاق ، فنحن لا نمانع بهذا فهو يحفظ لنا بعضاً من كرامة ضائعة

ولعلنا نعتبر هذا السيل من التنديد والشجب من قبل الدول الغربية يصب في خانة “رب ضارة نافعة” فقد نرى تغيراً في التعامل الغربي تجاه مآساة اللاجئين الهاربين من آتون الحروب والويلات في بلدانهم آخذين من النموذج الألماني مثالاً،  وربما رأينا تفهماً للحاجة للوصول إلى تسويات وحلول دائمة للمشكلات التي تدفع مئات الآلاف إلى مغادرة بلدانهم والبحث عن مستقر آمن لأنفسهم وعائلاتهم

…. والعرب 

وربما لا نستطيع أن نطلب من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والعالم أن يستقبلوا لاجئين من دول عربية و “إسلامية” بينما نمارس في بلداننا العربية سياسة الغائب الحاضر ، فننضم لجموع الغاضبين المنتقدين ولكننا في الوقت نفسه لا نرحب ولا نستقبل ولا نمنح أي من هؤلاء تصاريح أو تأشيرات حتى للزيارة ناهيك عن الإقامة ، فكيف ننهى عن خلق ونأتي مثله ، كيف ننتقد الولايات المتحدة وأوروبا وننسى أنفسنا ، كيف نطلب منهم أن يستقبلوا إخواناً لنا ونحن من يدفعهم بعيدا ، المنطقة تمر بظروف حرجة ، ليس هذا بخافي على أحد ولكننا في الحد الأدنى لا نملك أي نوع من الإستراتيجية لإحتواء واحتضان بني جلدتنا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر