إلى رؤوسِ مصارفِ الدّم

ستبدأ المباراة… بعد أن بدأ الفريقان بالإحماء وستكون المباراة حامية الوطيس، ومع ذلك؛ فلن يكون هيّنا نيل الكأس المأمول، فخذوا حذركم أيّها الإخوة رؤساء مصارف الدّم في ليبيا. فبعد إجراء التصفيات النّهائية فاز الفريق الرّوسي على الفرق التي خاض معها المنافسات، وفي المقابل فاز الفريق الأمريكي على الفرق التي خاض معها المنافسات، وحسما للاختلاف والخلاف بين اللاعبين تمّ الاتفاق على أرض محايدة وكرة قدمٍ محايدة، فكان الحظّ مناصرا لليبيين؛ فتمّ اختيار ليبيا ميداناً للعب وتمّ اختيار كرة القدم (رؤوس الليبيين)

بدأ الفريق الرّوسي تدريباته على الحدود الشّرقية، وفي ذات الوقت بدأ الفريق الأمريكي تدريباته على الحدود الغربيّة، وكل منهما مُختَفٍ عن وسائل الإعلام حتى لا تنكشف تفاصيل خطط المدرِّبين. وفي ذات الوقت بدأ كلّ جمهور ينشر شعاراته ليوم المباراة؛ فكانت الشّعارات وفقا لما بثه الإعلام المحلي (تحيا أمريكا، تحيا إيطاليا، تحيا قطر، تحيا تركيا)، وفي المقابل كانت الشعارات (تحيا روسيا، تحيا أوكرانيا، تحيا الإمارات، تحيا السعودية) وعندما بدأ الجمهور يردّد الشعارات المكتوبة، ظهر ذلك الطفل الذي رأى الملك عاريا وهو يقول: أليس فيكم رجل رشيد ويقول تحيا ليبيا؟ فكانت الإجابة (تحيا بعثت الأمم المتحدة)

ولمتسائل أن يتساءل

– وأين رؤوس أهل الجنوب؟

أقول: رؤوسهم بين الرؤوس ولا تُعدّ.

– وما هي شعاراتهم؟

شعاراتهم بلا شعارات، ولكن أثر أقدامهم على رمال الجنوب ترسم خريطة ليبيا خوفاً من مطامع دولة فرنسا. ومن هنا، تعدّ ليبيا ملعباً واحداً والشّعب ملعوب برأسه.

– وأين الليبيين؟

كلّهم مشايخ ولا وجود للشّعب.

– وما الحلّ؟

أن يأخذ العاملون في مصارف الدّم حذرهم قبل أن يتفاجأوا بغير المتوقّع.

– وما هو الحلّ البديل؟

كَتَبت الصُّحف: أن يلتقي المدّربون قبل بدء المباراة، لأجل اختيار لجنة تحكيم محايدة من الفريقين المتنافسين، وبالتأكيد ستصل اللجنة إلى نتيجة مفادها (تقسيم الملعب أو جعله فيدراليات مرضية) وهذا الشّعار سيكون في صدارة الشّعارات السّابقة. وسيؤذن لليبيين بالمشاركة في الملعب من خلال انتخابات حرّة بين هذين الخيارين، وإلّا ستكون مصارف الدّم مطالبة بالمزيد.

– يا إلهي بلدي ضاعت!

مع الأسف الشّديد لو كنت حريصا على بلدك ما كنت تجري وراء أفعال الإقصاء والتهميش والحرمان، ويا ليتك اتعظت من تجربة العراق وإقصاء البعث بلا استثناء، ويا ليتك لم تجعل السّجن شعارا، ويا ليتك تمحو من عقلك لغة المغالبة، ويا ليت أخاك يعرف أن عجلة التاريخ لن تدور للخلف، وأن يعرف أنْ ليس له بدّ إلّا تقبلك (أنت كما أنت) و (أنا كما أنا) ومن ثمّ يجب أن يتمّ تقبله (هو كما هو) حتى نكتب جميعا (نحن ليبيا). نعم نحن ليبيا، فَلِمَ لا نتفهّم ظروفنا، ونعترف أنّ الجروح عميقة، والنزيف لم يتوقّف؟ نعم في ليبيا سقط النّظام؛ وهذه من سُنن الحياة، ونعم قد سقط سقف الدّولة، ولكن إن سقطت الدّولة بكاملها؛ فلن تجدوا لكم فرصة دور ثانٍ.

وعليه:

– فلِمَ لا نَحول (نحن بلا استثناء) بين الفريقين قبل أن يُلعب برؤوسنا؟

أقول نعم:

• يجب أن يلتقي الليبيون بلا استثناء قبل بدء المباراة، ويعترفوا بأخطائهم ويتجاوزوا عنها حقّ للوطن بدلاً من أن يتركوا أمره للأحزاب التي همّها لا علاقة له بهمّ الوطن.

• أن يعفوا عمَّا سلف (الحقّ العام)، ويترك الحقّ الخاصّ لمن يتعلّق الأمر بهم تسامحا أم عدالة.

• أنَّ ليبيا دولة واحدة غير قابلة للتقسيم.

• جيش وطني واحد لا يتجزأ، عقيدته الدّفاع عن الوطن وصون أمنه من الدّاخل والخارج من خلال وحدة المؤسّسة العسكرية.

• قضاء عادل مستقل.

• شرطة وطنية تحفظ الأمن الدّاخلي.

ـ مدنية الدّولة والتداول السّلمي على السّلطة.

• دستور وطني يمكّن الجميع من ممارسة الحقوق وأداء الواجبات وحمْل المسؤوليات.

• القرآن الكريم والسنّة النبوية مصدر التشريع.

وعليه:

يكفي مناكفات، ويكفي تصدير الفوضى والإماء بالعصا الطويلة، ويكفي التخويف تحت عناوين المدن والقبائل والميلشيات والأحزاب، ويكفي الانتقام من الخصوم السياسيين، ومن يعتقد أنّه في ليبيا قادر على صناعة التاريخ تحت أيّ راية من الرّايات، سيفاجئه التاريخ في دائرة الممكن المتوقّع وغير المتوقّع بما هو مؤلم.

ومن يعتقد أنّ الليبيين قادرون على حلّ مشاكلهم لوحدهم؛ فهذا الاعتقاد لا يزيد عن كونه مجرّد أمنية؛ فدول الإقليم وبخاصّة مصر والجزائر ثمّ قطر والإمارات إن لم تكن شريكة في الحلّ فأيّة محاولة للحلّ ستكون في خبر كان.

وفي دائرة الممكن لعلّ البعض يَستهزئ أو يستهين بدور بعثة الأمم المتحدة لليبيا، ولكن ما لم يكن ممكنا، أنّ دول الإقليم هي الأخرى لن تستطيع أن تشرّع حلولها إلّا من خلال بعثة الأمم المتحدة التي قبلت في اجتماع القاهرة أن يعاد النّظر في المجلس الرّئاسي (واحد عن كلّ إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة)، كما أنّها قبلت أن تعمل على طي صفحات الإقصاء والتهميش، من خلال إجراء انتخابات رئاسية ونيابية وتحت رعاية دولية محايدة، كما أنّها قبلت بمجموعة من المبادئ الجامعة. ذلك لأنّ قرار إسقاط النظام في ليبيا كان قرارا مُدوَّلاً، ولهذا فلا حلّ إلّا والأمم المتحدة تقرّه، ومن ثمّ؛ فمن يعتقد أنّ دموع عبد الرّحمن شلقم هي التي أسقطت النظام في ليبيا، لم يفهم اللعبة بعد ويا ليته يفهم.

ولذا وجب طي الصّفحات المملوءة بالمواجع والآلام، وإلّا عليكم أيّها الليبيون التبرِّع بالدّم قبل أن تبدأ المباراة وتضيع دماؤكم هدرا.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر