سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه العراق

لن اكرّس الموضوع للتفاصيل حيث اختلافها و تعددها و تطورهّا بحكم المتغيرات التي تنقل العراق و المنطقة من حدث الى أخر و مِنْ حالة سياسية الى أُخرى . سأتطرّق الى ماهو استراتيجي في سياسة الاتحاد الأوربي تجاه العراق و الى ما هو مطلوب من العراق لترسيخ و تعزيز الاستراتيجية الاوربية التي نراها وبعد معايشتها ميدانياً و إدراك بعدها السياسي و الإنساني و خاصة في الوقت الحاضر

 اقصدُ من مصطلح الاتحاد الأوربي مؤسساته البرلمانية و التنفيذية اي المفوضية الاوربية ومؤسساتها المتعددة .قرارات المفوضية الاوربية هي التي تترجم سياسة الاتحاد الأوربي تجاه العراق وهي ملزمة التنفيذ من قبل حكومات الدول الاوربية ، بينما قرارات او توصيات البرلمان الأوربي تُعبّر عن توجهات الاتحاد الأوربي و آراء النواب الأوربيين و مواقف الكتل البرلمانية تجاه العراق ، وهي غير ملزمة التنفيذ 

مِنْ بين الاستنتاجات التي تستحق الذكر عن الاستراتيجية الاوربية تجاه العراق هو التزام حكومات الدول الاوربية بالمواقف السياسية التي تتبناها المفوضية الاوربية تجاه العراق ، اي تسعى كل دولة اوربية أنْ يكون موقفها السياسي متطابق في المبادئ و التفاصيل مع ما تتخذه المفوضية الاوربية من قرارات وما تتبناه من مواقف تجاه العراق ، وهي حاله نادره و تستحق التحليل و التقدير و تنّمُ عن صواب المسار السياسي الذي يخطوه العراق رغم الأخطاء و  التقصير و الفساد ، و تنّمُ أيضاً عن تفّهم و تقدير للتحديات الجمّة التي واجهها و يواجهها العراق . أضفُ على ما ذُكِرْ حرص كل دولة اوربية على تبنّي و تطبيق السياسة الاوربية تجاه العراق بأيجابية وبأرادة واعية دون تردد او تأجيل او تسويف او التفاف 

للدلالة على ما تقّدم من طرح ،أستعين بأخر موقف اوربي ، تبنّته الكتل البرلمانية الاوربية وكذلك المفوضية الاوربية تجاه وحدة أراضي العراق و شكل الدولة الاتحادي الفدرالي و رفضهم الحاسم و القاطع للجهود السياسية الهادفة لأي نزعة او إجراءات انفصالية من شأنها أنْ تهدِّد وحدة  و سيادة العراق أرضاً و شعباً ونظاماً فدرالياً. كذلك كان و لايزال موقف الدول الاوربية حيث عبّرت حكوماتها وبصراحة عن أنَّ موقفها هو ذات الموقف الذي تبنتّه المفوضية الأوربية والذي تكرّرَ في بيان مجلس وزراء خارجية الدول الاوربية المنعقد في ٢٠١٧/٣/٨ ، وَمِمَّا جاء فيه تبيان تمسك و حرص المجلس على وحدة وسلامة وسيادة الاراضي العراقية . ما لمسناه من الاتحاد الأوربي تجاه وحدة و سيادة العراق هو ليس موقفاً سياسياً فقط وانما تعبير عن استراتيجية اوربية تجاه العراق و يخطأ من يعتقد بانها ( واقصد الاستراتيجية ) محل مساومة او مقايضة سياسية الآن او في المستقبل

حدث تحرير الموصل بكل تأكيد عزّزَ هذه الاستراتيجية و زادَ العراق مكانة و هيبه و عِزَّة ،هذا المُتغّير العسكري والسياسي (واقصد تحرير الموصل ) تزامنَ مع جهود نحو اوربا دولاً واتحاداً ساعية لتغيير شكل العراق الاتحادي و  وحدة أراضيه مما ساهمَ في إفشالها (واقصد الجهود ) و في صلابة الموقف و التصرف الأوربي تجاه وحدة أراضي العراق ، وكأن لسان حال الاتحاد يستفهمْ و يتساءلْ :وهل يجوز مكافأة العراق لتحريره الموصل بقبول خطوات و إجراءات انفصالية ؟ . من ناحية اخرى ، نؤكد و نقول بأنْ يخطأ مَنْ يظُنْ بأن الاستراتيجية الاوربية الايجابية تجاه وحدة تراب العراق هي مجاناًا و من دون مقابل . ثمنها الصبر الاستراتيجي و عقلانية المواقف السياسية التي يتبناها العراق ازاء مايحدث ويجري في المنطقة و الرشد وكذلك الزهد في الحكم والنجاح في مكافحة الفساد ، و ليومنا هذا برّهن العراق على نجاحه في مواجهة وتجاوز ما مرّ من ذكره من تحديات و لولا نجاحه لما استّمرَ الاتحاد الأوربي في استراتيجيته الداعمة للعراق ! الاستراتيجية الاوربية الايجابية تجاه العراق ليست ، من ناحية اخرى ، من دون شروط سياسية او حقوقية ذات طابع سياسي ! أهمها و أولها هو الاطمئنان على المسار الديمقراطي للعراق وللأوربيين معاييرهم و مؤشراتهم في تقييم و تقدير حِسنْ او سوء المسار ، من هذه المعايير عدم الاستئثار في الحكم و ممارسة السلطات و لذلك كان ومايزال نهج التوافق السياسي بين الكتل والأحزاب السياسية في ممارسة الحكم وتوزيع السلطات والمسؤوليات عاملاً كفيلاً ومساعداً لتقييم ايجابي للمسار الديمقراطي في العراق و دليلاً على التخلي عن نزعة الاستئثار بالسلطة من قبل التكتل البرلماني الأكبر ، من بين المعطيات او المؤشرات الاخرى هو عدم تهميش و إقصاء الأقليات وليس فقط احترام وتأكيد حقوقهم ،لذا نرى المؤسسات الاوربية الرسمية لا تتوقف عن مطالبتها باحترام حقوق الأقليات و ضرورة مشاركتها في الحكم الاتحادي و المحلي ،لذا أيضاً نرى و للاسف كثير من مراكز البحوث و الدراسات الاوربية و الامريكية تستغل هذا الاهتمام الأوربي باالاقليات لتسيسه بما يخدم اجندات و اطماع في العراق والمنطقة و للتأثير على القرارات الرسمية الاوربية . وكدليل على مانقول هو مانراه ونلمسه من حكومات الدول الاوربية ومن مجالسها المحلية سواء في تلك الدول الاوربية الفدرالية كألمانيا وبلجيكا او سويسرا او الاخرى اللامركزية كفرنسا او تلك التي احتار بأمر شكلها الرسمي فقهاء الدستور والقانون حيث انها تموضع مابين الفدرالية واللامركزية كأيطاليا وإسبانيا حيث الحكومات والمجالس المحليه في هذه الدول الديمقراطية والمختلفة في نظام حكمها السياسي وشكلها الرسمي تجهد وتسعى الى اشراك الأقليات في الحكم من خلال ممثلين عنهم او منتمين الى الأحزاب السياسية ،يعتبرون حرص الدول على أشراكهم في الحكم او في القرارات السياسيه وخاصة تلك التي تخصهّم هو تطوير وترسيخ للديمقراطية .

يقّدر الاوربيون تعاون المؤسسات و الوزارات العراقية معهم من اجل إنجاح جهود الشراكة الاستراتيجية مع العراق وينظرون الى هذا التعاون والتفاهم والمتابعة معيار للجدية والوطنية وحافز لهم بالاستمرار بالتعاون وبذل المزيد من المساعدات والعطاء للعراق ، لذا كلما برهّن العراقيون في علاقاتهم مع الاوربييين اتحاداً و دولاً على التزامهم و جديتهم وحرصهم وحُسنْ متابعتهم كلما ترسَّخت العلاقات واثّمرت عطاءاً وعلى مختلف الصُعُد ، وهذا هو بعض من أسباب نجاح العلاقة الاوربية الاردنية وكذلك العلاقة الاوربية اللبنانية،  و لا اريد استشهد بنجاح ومتانة العلاقات الاوربية المغربية او المغاربية كونها بلدان لهم واوربا تأريخ وجغرافية ولغة مشتركة ، كما لايخفي على احد ما يملكه العراق من مقومات جغرافية وسياسية وثروات تجعله اكثر عرضة للإغراء والطلب والتعاون الأوربي .و علينا أنْ نكون بقدر ما نملكه من مقومات وثروات و بمستوى ما يأمله الآخرون منّا وما يعرفونه عَناّ احفاد حضارات وادي الرافدين

 د. جواد الهنداوي . في ٢٠١٧/٧/١٦

( د الهنداوي هو سفير العراق لدى الإتحاد الأوروبي) 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر