تصوّر أمريكي جديد لمعالجة الوضع الليبي بعد سنوات من التردد

لندن ـ المختار العربي ـ خاص

فيما تتشابك الاوضاع والتطورات الليبية ؛ نتيجة تراكمات الازمة التي يعيشها هذا البلد العربي المتمتع بصفات جيو ـ استراتيجية فريدة .. منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 ؛ بالفعل المباشر والمؤثر لحلف شمال الاطلسي ( الناتو )  وهو الأمر الذي حاولت الادارة الامريكية والرئيس اوباما شخصياً التبرؤ من تبعاته ، وهو ما ذهب إليه مجلس العموم البريطاني مؤخراً أيضاً  ، وبين هذا وذاك يبقى ما تتداوله وسائل الاعلام الغربية من معزوفات حول ” اللبن المسكوب ” الذي لم تستسغ الأرض الليبية إرتشافه ، ولا استطاع أن يتصاعد مع أبخرة الهواء بفعل شمسها الحارقة ، كما لا يبدو أن أحداً يستطيع إعادته إلى الكأس المتشقق

ذلك ربما من صياغات الأدب المزعج في ثقافات الغرب المختلطة الأصول والمنابع .. لكن الحقيقة أن المصالح الاستراتيجية لا يمكن تفويتها، بغض النظر عمن يدفع الاثمان ، والتماهي مع عواطف الشرقيين ـ خاصة العرب لا يمكن أن يستمر طويلاً ، كما أن الصبر على مراهقات الأصدقاء الاوربيين المحكومة بعقد استعمارية تاريخية ربما تجاوزها الزمن ، أو بمصالح اقتصادية فورية ـ أهمها النفط والغاز – سريعا الإشتعال ـ كل ذلك وغيره الذي ليس بعيداً عنه التطورات المتسارعة في مناطق متعددة ، ومنها المدى الذي وصله التمدد الروسي الذي أصبح الفاعل الاول إلى حد كبير من طهران الى لبنان ومن موسكو إلى بحر العرب وصولاً إلى القرن الإفريقي ، وطبعاً هذه الدائرة الكبيرة من النفوذ التي تشمل أهم المواقع في وسط العالم لعدة عوامل بيّنة ، أعطى روسيا حافز الوصول لأن تكون أو انها قد تكون قد وصلت بالفعل إلى أن تكون القوة الاولى في البحر المتوسط ؛ شرقه علي الأقل ، حتى الآن

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية  ـ رغم كل الخفي والظاهر في علاقاتها وتنسيقاتها ـ لا يمكن ان تسمح بأكثر من هذا ، خاصة بعد التقارير التي تفيد برجوع الدب الروسي إلى أفريقيا الشمالية بغية التمركز علي حدود ليبيا الشرقية في إحدى قواعده القديمة التي اضطر لإخلائها بداية عقد السبعينيات من القرن المنصرم ، في خطوة تعقبها خطوات ، نحو تكريس حصار “أحمر” جديد ، يُغلق قوساً بين الغرب عموماً وأفريقيا، يتواصل مع القوس الذي شكله قبلاً مستخدماً ” الهلال الشيعي ” العقائدي الذي لا يعني وجوده منفرداً شيئاً في علم الاستراتيجيات ، وبين هذا القوس وذاك ، يطمح الروس إلي رسم قمر أحمر كبير ينير دائرة قطرها نصف العالم على الأقل ، و يملك أهم وأعظم الصفات الجغرافية المركزية والثروات الهائلة ليس أقلها النفط

من هنا ، وحسبما أفادنا به أحد الدبلوماسيين الغربيين العاملين في لندن فإن الولايات المتحدة الأمريكية انتبهت مؤخراً إلى ضرورة ضبط الوضع الليبي على أسس جديدة تراعي الواقع المحلي بقدر ما تحسب بكل دقة خطورة ضياع ليبيا بموقعها الممّيز علي أكثر من صعيد ؛ وهي تملك أطول شواطئ لدولة علي البحر المتوسط بشكل افقي ، وبامتدادها إلى عمق لا بأس به في القارة الأفريقية و وتشكيلة جوارها الخطيرة ، بالإضافة لثرواتها الهائلة ؛ وآخرها ماتم إعلانه عن أنها تملك رابع مخزون بين دول العالم من ” النفط الصخري ” البديل و الذي تهتم الولايات المتحدة بتوظيفه في سوق المحروقات العالمي

ويذّكر الدبلوماسي : أن هذه تقريباً مع مراعاة الفارق في التوقيت، هي ذات الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى أن تحرص على وحدة الأراضي الليبية بعد الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي أراد فيه بعض من حلفائها مثل بريطانيا وفرنسا وغريمها الذي تشظى لاحقاً ، الإتحاد السوفيتي ؛ أن يقتسموا هذه الرقعة المركزية في شمال أفريقيا ، واستمرت هذه المنافسة فيما تلى ذلك من عقود وأجيال حتى وان اتخذت أشكالاً وأنماطاً مختلفة   

 المعلومات التي رشحت حتى الان ، تفيد بان التخطيط قد أُستكمل تقريباً في وضع خطة تباشر الولايات المتحدة إدارة تنفيذها ، بعد أن استغرقت أشهراً من البحث والجدل بين أطراف في الإدارة الأمريكية وعمل على وضع بنودها خبرات سياسية وأمنية وعسكرية وبالذات اقتصادية وأشرفت على استكمال جوانبها

ويشير المصدر الي أن البدء كان منذ إعلان الرئيس باراك اوباما ما يشبه اللوم أو النقد الذاتي ، عندما اعتبر أن ما أسفرت عنه سياسة ادارته في ليبيا كات أكبر أخطائه في سنوات حكمه الثماني

وبالرجوع إلى ما أوضحه المصدر الدبلوماسي ، وهو لايدلي بكل مايعرفه بطبيعة الحال ، ومع تأكيده علي العناصر التي تم سردها أعلاه ، لم يخف ان رسالة امريكية وصلت الى موسكو فيما يتعلق بليبيا وحدود التعامل معها بشأنها ، وإذا كانت لقاءات لافروف ـ كيري ، عنوانها الأغلب ؛ سوريا ، فإن مواضيع اخري ليست بأقل أهمية من إيران و أوكرانيا عادة ما يكون لها مكان على مائدة الحوار،  وليبيا كانت الحاضرة ـ الغائبة

ويبدو أن ما تسعى الولايات المتحدة للعمل بشأنه في الموضوع الليبي ؛ يرتكز علي التالي

أولاً ـ  وضع حد لتدخلات وتقاطعات ، بل وخلافات الدول الاوربية المعنية بليبيا .. إذ يكفيها خمس سنوات من ” الفشل المبرمج ” كما يكفيها النظرات الضيقة الني لا تستوعب متغيرات عالمية واسعة لم يستطع الغرب التأثير فيها كما ينبغي ، بل وكانت بعض نتائجها ” كارثية ” تصب في مصلحة الاخرين

ثانياً ـ التنسيق مع بعض الدول القريبة من الأفكار الأمريكية خاصة بريطانيا و عدم التعويل كثيراً على الأمم المتحدة وقرارتها وجهودها ، وهي التي تعمل ببيروقراطية و محدودية في الحركة وفي آليات العمل ، والفشل المتكرر لمبعوثيها ، وعليه يكون مارتن كوبلر هو آخر مبعوثيها

ثالثاً ـ تقديم مقترحات مباشرة لليبيين بوسائل ممكنة ، تقوم على

    أ ـ  ليبيا دولة واحدة وطن لكل الليبيين دون تمييز ودون عزل او فصل ودون تصنيفات عفى عنها الزمن، مواطنوها متساوون في الحقوق والواجبات ، دولة ذات سيادة كاملة علي إقليمها

  ب ـ يكون للدولة دستور دائم يتم إقراره من الشعب ويضع الاسس والقواعد اللازمة لإدارة الدولة والعلاقات بين مواطنيها ومؤسساتها، وهناك جهد بذل في هذا المجال، يمكن الاستفادة منه، والبناء عليه

  ج ـ تُجرى انتخابات تشريعية يشارك فيها جميع الليبيين دون تمييز ، خلال فترة انتقالية محدودة لإختيار رئيساً للدولة وكذلك المجلس التشريعي ، والمجالس البلدية المحلية ، وفقاً للدستور

  د ـ في الفترة الإنتقالية يمارس مجلس النواب والحكومة بعد إعطائها الثقة سلطاتهما المؤقتة ، علي أساس التكامل وليس التداخل ، وفقاً لصلاحياتهما

  هـ ـ يتم بناء الجيش والقوات المسلحة للدولة الليبية، والمؤسسات الأمنية اللازمة ، على أساس نظامي قوي وقادر للقيام بمهامها لوطنية كاملة ومراعاة المهنيةو الكفادة ، وحيث يبدو الجنرال خليفة حفتر مرشحاً للمهمة ، مع معاونين لهفي هياكل الاركان من مختلف المناطق  

  و ـ مراعاة الشفافية والكفادة في ادارة جميع مؤسسات الدولة ؛ خاصة الاقتصادة منها

ويضيف نفس المصدر أنه في الوقت الذي ربما يشكك فيه بعض المتشائمين بقدرة أي طرف دولي على الوصول لحلول ناجعة في ليبيا في ظل الأوضاع المتردية التي تعيشها من سيطرة للميليشيات وأوضاع أمنية واقتصادية خانقة ؛ لا تزال الولايات المتحدة قادرة على فك خيوط المشهد الليبي وتحقيق نوع من الإستقرار ، حتى ولو على المدى المنظور القريب

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر