طائر الفينيق الليبي ينتفض من وسط ركام الفوضى الخلّاقة .. بعين حمراء امريكية

لندن ـ المختار العربي ـ خاص 

توفرت المزيد من المعلومات حول التصوّر الأمريكي لمعالجة الأزمة في ليبيا، وللعمل على تحديد مستقبل هذا البلد الشمال – الأفريقي المتمتع بمزايا استراتيجية خاصة من حيث الموقع والمساحة والإمكانيات

ووفقاً للمصدر الدبلوماسي الذي أفاد المختار العربي بالمعلومات التي نشرتها قبل عشرة أيام حول عزم الولايات المتحدة الأمريكية إدارة الملف الليبي مباشرة، فإنها وهي مستمرة في ترتيباتها للشرق الأوسط الجديد أو الكبير ،ومتابعة نتائج “الفوضى الخلاقة” بالدماء الرقراقة ، التي تكرّس واقعاً جديداً للإقليم المترامي الأطراف واسع الأرجاء من طنجة إلى كابول ، فإن ليبيا وعلى ضوء ما أدت إليه التطورات الدولية والتوسع الروسي والمستجدات الأوروبية ، أصبح الحفاظ على إقليمها وحدة واحدة ضرورة أمريكية .. كما كانت في أعقاب الحرب العالمية الثانية . في ذلك الزمان رأت الولايات المتحدة بالمخالفة لحلفائها ؛ أن كياناً ليبياً واحداً يحمل أهمية خاصة لها وكانت بريطانيا اكتفت تقريباً بإقليم برقة الشرقي ، وساهمت في العمل على إقامة كيان مستقل فيه عام 1949 (قبل منح ليبيا استقلالها في أول قرار أممي من نوعه )، أو فرنسا التي اعتبرت أن إقليم فزان الجنوبي يمكن ان يشكّل امتداداً طبيعياً لمستعمراتها في الصحراء الكبرى والجزائر ، وبالنهاية انفردت الولايات المتحدة بليبيا وعملت لاحقاً على تأسيس قواعد عسكرية ، والتي كانت الوحيدة في المنطقة العربية آنذاك ، وبادرت إلى تزعّم جهود الاستكشافات النفطية ، وما إلى ذلك من تفاصيل

ليبيا التي وصفها تشرشل في أثناء الحرب العالمية الثانية ؛ ” بطن التمساح الرخوة ” أي البحر المتوسط ، فإذا كانت أوروبا هي ظهره الخشن الذي يملك مناعة وحماية تجعله قادراً على احتمال قوة ضربات هتلر وألمانيا النازية والمحور ، فإن تلك البطن الرخوة هي مكمن الخطر حيث تستطيع أضعف الضربات قوة تمزيقها ، وهذا ما كان تقريباً ؛ حيث شهدت صحراءها وقفارها ، سهولها وجبالها معارك حاسمة مكّنت الحلفاء من حسم نتيجة الحرب لصالحهم

الرؤية الإستراتيجية بعد كل التفاصيل في مسارات التنافس والتناقض الدوليين، خاصة مع روسيا التي تسعى حثيثاً إلى توسيع امتداداتها خارج إقليم نفوذها من القرم حتى بحر العرب، و تقترب ببطء نحو المياه الدافئة الوسطى والغربية للبحر الأبيض المتوسط بعدما استقر مقامها بعديدها وعتادها على شواطئه الشرقية و سيناريو كهذا لا يبدو أن له حظوظاً بالاستمرار دون ردود أفعال متوقعة أو تداعيات حسب القوانين الفيزيائية الخاصة بالفعل ورد الفعل ، أو ببساطة .. لن يُسمح به ! كما أن أوروبا المحكومة بظروف تاريخية ساعدت على توحيدها ـ حتى الآن ـ في كيان كبير، ثم توسعت حتى ضاقت على أثوابها ؛ تعاني من “انبعاجات” أفقية ورأسية ليس أقلها ولا آخرها “البريكست” البريطانية وما يمكن أن يتبعه من نتوءات أو بريكسات أخرى تجعلها منشغلةً في ذاتها ، ولما يهدد مستقبلها وهي بالتالي غير قادرة على تشكيل رؤية أو استراتيجية معمّقة تجاه ما اعتبرته الإمبراطورية الرومانية يوماً ما امتداداً إفريقياً لشواطئ روما وتعاقبت على شواطئه الحملات والمحاولات لبسط السيطرة وأخذ المواقع، منذ الإمبراطور أوغسطين وحتى فجر الأوديسا

هذه المرة تبدو “العين الحمراء” الأمريكية ظهر شرارها واضحاً لكل الأطراف ؛ روسيا التي وصلت الآن إلى “سيدي البراني” على الحدود الغربية لمصر المحاذية لليبيا وعينها على خليج سرت الإستراتيجي – سكيناً في بطن التمساح على مرمى حجر من جنوب القارة الأوروبية العجوز ، حيث القواعد الأمريكية وحليفها الأكبر ؛ حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي فك بعض عُقده باستعراض وتجربة قواته في ليبيا ولازال، كما هي عينٌ حمراء باتجاه أوروبا ، بعد أن ضاقت الولايات المتحدة ذرعاً من المسار الطويل والمعقد الذي اتخذته ليبيا تحت الرعاية الدولية والأوروبية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في أكتوبر من عام 2011 ، والذي اتسم بتضارب السياسات وتنازع المصالح بين الشركاء الأوروبيين المتنافسين في ليبيا ، وتقاطع مصالحهم وتدخلاتهم ليس فقط السياسية والدبلوماسية بل والعسكرية، والعين الثالثة باتجاه جيران ليبيا الذين لا يُخفي بعضهم أطماعه فيها ولا يتورع إعلامها عن تكرار مزاعمه أو بعض أساليبه لحقوق فيها ، كأنه لا يعلم أن جميع الدول في المنطقة تشكلت في حدودها الوطنية منذ زمن قريب لم يمضي عليه كثير من الوقت وأن كل طرف بإمكانه الإدعاء بسهولة بأراضي الأطراف المجاورة له ، ومن هنا فإن دول الجوار قد تثير تدخلاتها ولو كانت بنوايا طيبة حساسيات لدى جهات ليبية متقابلة ، ورابع هذه العيون الحمراء موجه إلى الداخل الليبي المتصارع على أخذ المواقع والتمترس السياسي العبثي الذي لم يفضي إلا لسيل من من الأزمات الداخلية بداية من إنعدام الأمن وانتشار المليشيات وانتهاء بالأزمات المعيشية الخانقة ناهيك عن تعدد البرلمانات والحكومات والجيوش ، وهو التشرذم الذي سمح بتمكن تنظيمات متطرفة ومنها تنظيم الدولة الإسلامية من احتلال مواقع مهمة في السواحل والصحراء الليبية والتي أصبحت مرشحة هذه المرة لأن تصبح قبلة الهاربين من جحيم الحملة العسكرية في العراق وسوريا والتي أدت بقيادات وعناصر داعش بالإختفاء تحت الأرض وتخشى الولايات المتحدة من ظهورهم هذه المرة في ليبيا بما يشكل منطلقاً لهم نحو أفريقيا الشاسعة، وربما تظهر قدراتهم بشكل أكبر وأخطر في “الدولة الإسلامية الإفريقية”

ولا تُغفل الولايات المتحدة أن ليبيا، هذه الدولة ذات المساحة الهائلة التي إن نظرت من بعيد لخريطة العالم لا يمكنك أن تُخطئ توسط موقعها ومركزية وجودها ، ولا ينقصها أو لنقل ليُثقل كاهلها ، ثروات طبيعية أكثرها غير مستغل من طرف سكانها الذين لا يتجاوزون الست ملايين نسمة ، ثلثهم الان خارجها لا يمكن تركها لقمة سائغة بين فكي الاحتراب الداخلي والتنظيمات المتطرفة من جهة والتنازع الأوروبي والخطر الروسي من جهة أخرى

ويشكل هذا جزءاً مهماً من التطورات الجارية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الموصل العراقية حتى تمبوكتو عاصمة الصحاري الافريقية الكبرى ، لا يبدو خافياً على المتابعين للأحداث . أن الموجات المتتابعة من إرهاصات الفوضى الخلّاقة ، و تمظهرات الربيع العربي التي استطاعت أن تُحدث “فجوات” جيوسياسية في أنحاء متفرقة مما كان يُعرف في وقت من الأوقات بالوطن العربي الكبير ، مثل الفجوات الموجودة داخل الهلال السوري الخصيب ، لم تستطع أن تتحوّل إلى مواقع نموذجية أو نتائج إيجابية ، وإن الوقت كفيل لأن يأخذ التاريخ وضعه الطبيعي في هذه المنطقة مع نكهات معاصرة ذات صيغ ديمقراطية

ومن هذا لا يبدو غريباً أن تضيق الولايات المتحدة ذرعاً من المسار الطويل والمعقد الذي اتخذته ليبيا تحت الرعاية الدولية والأوروبية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في أكتوبر من عام 2011 ، والذي اتسم بتضارب السياسات وتنازع المصالح بين الشركاء المتنافسين في أوروبا ، في هذه الدولة ذات المساحة الهائلة التي إن نظرت من بعيد لخريطة العالم لا يمكنك أن تُخطئ توسط موقعها ومركزية وجودها ، ولا ينقصها أو لنقل ليُثقل كاهلها ، ثروات طبيعية أكثرها غير مستغل من طرف سكانها الذين لا يتجاوزون السبع ملايين نسمة

وبالرجوع للخبر السابق ذكر * على جريدة المختار العربي والتي انفردت به في الكشف عن المقاربة الأمريكية للحل في ليبيا والذي يدعو لتجاوز العراقيل والنزاعات الدولية والمحلية تحت مظلة ديمقراطية ، حتى وإن فاتت مقاربات أخرى ديمقراطية أيضاً ،  ولكنها لم تزد ليبيا والليبيين إلا شقاقاً و اختلافاً .. فالطرح الأمريكي هذه المرة، والذي يأخذ منذ أيام زخماً أقوى ، بعيون حمراء ؛ يطمح لأن تجمع ليبيا – كدولة نموذجية – جميع أطياف نسيجها الاجتماعي ـ السياسي من الأنظمة السابقة واللاحقة، دون اقصاء او استثناء ، ودون تهميش أو استعداء ، بعلاقة يميزها التداول الديمقراطي المحتكم لشرعية صندوق الإقتراع من خلال مجلس نواب حسب دستور مستفتاً عليه من قبل المواطنين ، وتشكيل حكومة قوية قادرة على النهوض بمسؤولياتها بمساندة وحماية جيش موحد قوي واجهزة امنية فاعلة 

وتبدو لعبة الأسماء التي راجت خلال السنوات بين الفرقاء الليبيين غير ذات أهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ، الا ان المشير خليفة حفتر يبدو مرشحاً بقوة للاستمرار في الموقع المهم كقائد للجيش  ، كما ان السيد فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي الحالي يبدو مقبولاً لرئاسة حكومة وحدة وطنية بشكل مختلف ، وتحظى بثقة مجلس النواب ، كما ان السيطرة الكاملة بشفافية والادارة الحسنة للثروات والامكانيات الاقتصادية والمالية والاستثمارية  تشكل اولوية 

* راجع مقال المختار العربي

https://goo.gl/8oFvdX

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر