نهاية الأوبك..أم نهاية النفط ؟

عندما أعلنت خمس دول منتجة  للنفط تأسيس منظمة عرفت اختصارا باسم “الأوبك” أو منظمة الدول المصدرة للنفط عام 1960 في بغداد على يد خمس دول منتجة للنفط منها أربع عربية ؛ كان الهدف المعلن والأساسي في ذاك الوقت هو اعطاء هذه الدول الحديثة والفتية التي كانت تسبح ولا زالت على احتياطيات ضخمة من النفط الخام القدرة على مواجهة احتكار وتحكم تجمع الشركات النفطية العالمية المعروف آنذاك بـ”الأخوات السبع” في أسعار النفط واتخذت فيينا مقراً لها بداية من منتصف ستينيات القرن الماضي

وربما لم يتعرض دور هذه المنظمة التي أصبحت تمتلك نفوذاً مؤثراً منذ منتصف السبعينيات بفضل ارتفاع اسعار النفط إلى الفحص خصوصاً بعد فشلها في السنوات القليلة الماضية في ضبط إنتاج الدول الأعضاء فيها ، بالإضافة إلى فشل اتفاق عقد قبل أربع سنوات بينها وبين مجموعة من الدول غير الأعضاء ، أو ما أطلق عليه “إعلان التعاون” ، لمحاولة الحد من تهاوي أسعار النفط والذي استطاع بشكل نسبي أن يرفع هذه الأسعار من حد الأربعين دولار حتى حاجز الثمانين قبل أن يتهاوى من جديد قبل أيام. أوبك بفضل أعضائها تسيطر على نصف الإنتاج العالمي وأكثر من ثمانين بالمائة من إحتياطات النفط في العالم ولكنها وبفضل عوامل مختلفة أصبحت غير قادرة على التدخل لضبط أسعار النفط ، ولعل أبسط مظاهر هذا العجز السقوط المدوي المفاجئ التي شهدته الأسعار بمقدار الثلاثون دولاراً في يوم واحد، مع عدم الإلتزام الذي تبديه بعض الدول لسقف الإنتاج المحدد لكل منها

إنسحاب قطر 

وقبل أن يدخل أعضاء الأوبك في اجتماعاتهم المقررة هذا الأسبوع ، أعلن وزير النفط القطري ، سعد شريدة الكعبي ، أن بلاده ستنسحب من عضوية المنظمة بداية يناير من العام القادم ، وهو ما بعث بموجة صادمة داخل الأروقة الاقتصادية والسياسية العالمية نظراً لكونها خطوة غير مسبوقة في عالم انتاج الطاقة التي كانت ولازالت في محور التوازنات العالمية . فقطر وعلى الرغم من إنتاجها النفطي لا يتجاوز 2٪ من حجم انتج  الأوبك بحساب انتاج 610 ألف برميل يومياً ، مقارنة بملايين البراميل التي تنتجها دول أخرى عربية ، كما أن قطر قامت ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بتطوير قدراتها في انتاج الغاز الطبيعي التي تمتلك احتياطاً منه ما يقارب 26 تريليون متر مكعب ( 14٪ من الاحتياطي العالمي ) واستطاعت من خلال تقنية تسييل الغاز التي ساهمت في تطويرها من أن تصبح المصدر لما يقارب 30 ٪ من الطلب العالمي على الغاز الطبيعي الذي يتزايد بمدار 4-6 ٪ سنوياً نظراً لكونه مصدراً “نظيفاً” للطاقة بالمقارنة بالنفط الخام ومشتقاته

ولا شك أن دولة قطر لم تكن على عجل في اتخاذ مثل هذا القرار الذي بلا شك سيغير الكثير في عالم انتاج الطاقة ، سواء كان هذا في داخل منظمة الأوبك نفسها وهي التي أصبحت تعاني من تضاءل تأثيرها في ظل عدم التزام أعضائها وغير أعضائها بتوصياتها واتفاقياتها ، وربما يفتح هذا الإنسحاب الباب لدول أخرى تشعر كذلك بالإستياء أو عدم الرضا من الاختلال المزمن في عمل المنظمة لتتخذ خطوة مماثلة لتلك  التي قامت بها قطر والتي ستتجه بالتطبع إلى تعزيز دورها في منظمة الدول المصدرة للغاز ( GECF) خصوصاً مع استقرار العقود الطويلة الأجل لتصدير الغاز الطبيعي التي تمتد بين عشرين وخمس وعشرين عاماً بعكس العقود القصيرة الأجل الخاصة بالنفط الخام

وربما يمكننا في هذا السياق أن نضرب مثالاً آخر ؛ فالنرويج والتي لم تنتمي في يوم من الأيام إلى الأوبك، وهي بدورها كانت تعتمد على الصادرات النفطية حتى نهاية القرن الماضي ، تحولت في صاداراتها إلى التنويع حتى وصلت صادارتها من الغاز الطبيعي إلى مقدار النصف متساوية بذلك مع الصادارات من النفط الخام، وهي الآن أحد المصدرين الرئيسين للغاز في أوروبا وتمتلك بفضل هذا أحد أضخم الصناديق السيادية في العالم

نهاية النفط ؟

في ظل هذه التغيرات التي تشهدها الساحتين السياسية و الاقتصادية العالميتين والتركيز منذ سنوات ليست بقليلة على أبحاث الطاقة البديلة و”النظيفة” من انتاج الغاز الطبيعي إلى الهيدروجيني والشمسية والكهربائية ، يبدو أن الحديث عن المستقبل قد أصبح واقعاً ملموساً ، ولا يمثل هذا الاضطراب الذي تعانيه أسعار النفط منذ سنوات إلا علامة مهمة في حالة عدم الاستقرار الذي يشهده هذا القطاع . فبعد هيمنة امتدت لعقود استطاع النفط من خلالها أن يفرض نفسه لاعباً رئيسياً  يدخل بشكل ملموس في الكثير من نواحي الحياة من الانتاج الصناعي إلى وسائل المواصلات وحتى في النزاعات الدولية ، وتمتعت الكثير من الدول المنتجة للنفط خلال هذه العقود  بمداخيل ضخمة أتاحث لبعضها الفرصة لبناء بنى تحتية معقولة ورخاءً اقتصادياً أصبح مرتبطاً في الثقافة العالمية بصورة نمطية ، إلا أن عدداً قليلاً من هذه الدول بحث أو استطاع أن يطور تكنولوجيا مصادر بديلة لانتاج الطاقة ، فدولة مثل ليبيا لا زال دخلها القومي حتى يومنا هذا يعتمد بنسبة 97 ٪ على انتاج النفط الخام وكذلك هو الحال في العراق وبالتالي تتأثر اقتصاديات هذه الدول بأي تغير يطرأ على أسعار النفط ، وإذا أخذنا مثالاً بسيطاً في شركات السيارات العالمية التي ستتجه بدءاً من العام 2022 إلى التخلي بشكل كامل عن المحركات التي تعمل بالوقود التقليدي المشتق من النفط وستتجه إلى انتاج سيارات تعمل بطاقة بديلة أخرى مثل الغاز والكهرباء وكيف سيؤثر هذا على الطلب العالمي على النفط في العالم وأسعاره ؟ حتى ولو استمر النفط في احتلال مساحة من انتاج الطاقة في العالم خلال العقدين القادمين ، إلا أنه بالتأكيد سيكون في تراجع مستمر وبناء على هذا التراجع ستنخفض أسعاره ، و كيف هذاسيؤثر على اقتصاديات دول  كـ ليبيا على سبيل المثال التي تسعى لاعادة البناء معتمدة على “احتياطات ضخمة” من النفط ؟ ربما الزمن هو الكفيل للاجابة على هذا السؤال

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر