السلاح الاستراتيجى الغائب فى مواجهة كورونا

 مراقبة تعاطى شريحة من شعوب منطقتنا العربية مع أزمة كورونا وما تقترفه من افعال مستهترة وغير مسؤولة يوحى بعجزها عن استيعاب طبيعة الخطر الداهم و يشير بوضوح الى تدنى مستوى الوعى بشكل مقلق للغاية على نحو يذكرنا بإصرار الطفل على وضع جسم معدنى (مسمار) فى قابس الكهرباء عالرغم من تحذيرات الاهل المتكررة ،بيد انه معذور فهو لازال صغيرا وعقله لم ينضج بعد ليدرك تداعيات فعلته والضرر الناجم عنها ،وهو ما لا  ينسحب على اشخاص بالغين متعلمين يفترض امتلاكهم الحد الأدنى من الوعى الذى يكفل لهم حماية انفسهم وأسرهم ومحيطهم وبلدانهم من تفشى العدوى والمساهمة الفاعلة فى الحد منها بالتزام تدابير الوقاية الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية وخبراء الأوبئة مثل التباعد الاجتماعى والمسافة الآمنة وتجنب الاماكن المزدحمة وغسل الأيدى باستمرار وارتداء الكمامات واستخدام المطهرات وغيرها من الاحترازات ،لكننا لا نكاد نرى الا قدرا يسيرا من هذا الالتزام بل نرى استهانة بالمرض تصل الى حد التهور و احتجاجا على بعض الاجراءات الحكومية لمكافحة الجائحة وتقليل انتشارها وكأن لا وجود لفيروس مميت يسهل التقاطه ويسرع انتشاره وهذا مؤشر خطير يعكس اختلال فى احدى اهم ركائز الأمن القومى فى تقديرى .. الوعى

وفى ظل ازمة تفشى وباء قاتل مثل كورونا يعد الوعى سلاحا إستراتيجيا يتناسب عكسيا مع الجائحة كلما زادت ذخيرته قلت عدد الاصابات وكلما نُقصت زادت الاصابات ،وهنا تجدر الاشارة الى ان الخلل المعرفى لم يقف عند حد الاستهتار وعدم الالتزام بإجراءات الوقاية بل تخطاها الى ما هو ابعد من ذلك،الى عدم الاعتراف بوجود الفايروس من الاساس ,والانجرار وراء ترهات يرددها بعض طالبى الشهرة عن مؤامرات كونية استطاعوا هم وحدهم من دون سكان الكرة الارضية كشف خيوطها وفضح ملابساتها,ولعمرى هذا جنون مخيف فاق كل الحدود فعندما تكون معطيات مثل ملايين الاصابات المؤكدة ومئات الآلاف من الوفيات ناهيك عن الشلل الذى ضرب الاقتصاد العالمى امام ناظريهم وينكرونها فهى حتما مسألة تستوجب الوقوف عندها طويلا والتفكير جديا فى سبل رفع مستوى الوعى لدى المواطنين وهذا بدوره يتطلب الكثير من الخطوات ،على رأسها إحداث تغيير شامل وجذرى فى المنظومة التعليمية والقائمين عليها والمناهج وطرق التدريس وإضافة مواد تحفز على المنطق والعقلانية  و التفكير النقدى ،كذلك إعادة النظر فيما تبثه وسائل الاعلام على إختلاف انواعها من برامج وما تقدمه الدراما, وعلى مؤسسات المجتمع المدنى ان تضطلع بدورها فى تنمية الوعى وعلى المفكرين والمثقفين والكتاب والادباء ان يصنعوا عصر تنوير جديد فى الشرق الاوسط يتماهى مع  تطورات القرن الحادى والعشرين ويدفع  الشعوب باتجاه  التخلص من براثن الجهل والخرافة

لقد برهنت جائحة كورونا على اهمية الوعى ومحورية العلم فى مواجهة تحديات العصر وبإفتقار امتنا الى هذين العنصرين فنحن كمن وجد نفسه فى قفص مغلق وهو اعزل امام اسد مفترس فتقدم نحوه بكل ثقة عازما أن يربت عليه حانيا

محمد سليمان

كاتب صحفى ومدير تحرير المختار العربى

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر