ماذا بعد اشتباكات طرابلس ؟

 

شكوكا عميقة ربما استقرت فى البيئة الليبية حول امكانية ايجاد حل قريب للنزاع القائم على الشرعية على وقع التصعيد العسكرى الأخير الذى شهدته العاصمة الليبية طرابلس صباح الثلاثاء الماضى اثر محاولة حكومة الاستقرار المنتخبة من البرلمان برئاسة السيد فتحى باشاغا دخول العاصمة واستلام مهامها قبل ان تتصدى لها القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسى برئاسة السيد عبد الحميد دبيبية وتنجح فى ابعادها خارج حدود العاصمة بعد ساعات قليلة من دخولها تخللتها اشتباكات عنيفة خلفت خسائر بشرية ومادية , وبناء على ما تقدم يمكن قراءة المشهد وفق ست مقدمات رئيسة :

-ان حكومة الوحدة عقدت العزم على التمترس فى السلطة وعلى أهبة الاستعداد للمواجهة المسلحة اى كانت نتائجها حتى وان تحولت شوارع طرابلس إلى شوارع بيروت ابان الحرب الاهلية، بعد أن تمكنت من تجاوز خلافاتها السابقة مع ابرز التشكيلات المسلحة فى العاصمة واستطاعت إستمالتها فى التوقيت المناسب وقطع الطريق على محاولات الخصم استقطابها وتوظيفها لصالحه بعد ان كان قاب قوسين او ادنى من ذلك , واللافت هو قدرتها على اختراق الخصم ورصد خطواته وإستباقها فالتعامل السريع مع الموقف و تطويق العاصمة فى ساعات معدودة فضلا عن محاصرة موكب باشاغا والقوات التابعة له وتدخل الفرقة 444 قتال لتوفير ممر آمن للاخير بدت و كأنها خطة محكمة معدة سلفا ونُفذت بنجاح يحسب للقائمين عليها.

-ان حكومة الاستقرار لم تدرس خياراتها جيدا واعتمدت على فصيل مسلح لا يتمتع بالقوة ولا بالنفوذ الكافيين فى مواجهة غير متكافئة مع ترسانة ضخمة ونفوذ متجذر لصالح الفصائل الاخرى التى تدين بالولاء او تتقاطع مصالحها مع حكومة الوحدة الأمر الذى كشف عن خلل واضح فى الدائرة المحيطة برئيس الحكومة من مساعدين ومستشارين و إفتقاره إلى كادر مُدرب قادر على توجيه دفة القرار فى الإتجاه الصحيح خاصة فيما يتعلق بقرار استراتيجى مثل دخول العاصمة ما كان ينبغى ان يتخذ دون تقدير الموقف بشكل دقيق و قراءة مستوفية للمشهد بكل عناصره وتشابكاته وخطة عمل واضحة تنطوي على بدائل عوضا عن الدخول بهذه الكيفية التى جعلت الأمر اقرب الى المغامرة منه الى دخول رئيس حكومة الى عاصمة البلاد الامر الذى اثر بشكل بالغ السلبية على الحكومة وجعل مستقبلها فى مهب الريح , بيد ان يحسب لرئيسها رصانته فى التعامل مع الموقف رغم قدرته على المواجهة العسكرية و تفضيله لحقن الدماء عن تحول المواجهات الى حرب شوارع مدمرة .

-ان المجتمع الدولى ولا سيما البعثة الاممية وعبر موقفهما الضبابي المتردد من هذا التنازع على الشرعية افسحوا المجال لهكذا ممارسات عنفية كادت ان تقود البلد الى أوخم العواقب واسهموا فى هذه الحالة من الانسداد السياسى والعودة الى التوازى الحكومى فضلا عن شبح الحرب الذى عاد ليطل برأسه من جديد بعد قرابة عامين من الهدوء الى الحد الذى اصبح معه اتفاق وقف اطلاق النار الموقع فى جنيف (اكتوبر 2020) مهددا بالانهيار فى اى لحظة , وعليه يتعين على الاسرة الدولية سرعة التدخل ووضع حد لهذا الموقف المتأزم قبل ان ينفجر الوضع ويأتى على الاخضر واليابس وهى تمتلك من الأدوات والوسائل ما يمكنها من ذلك لكنها ولسبب ما تفضل بقاء الوضع على ما هو عليه الآن ربما الى حين وصول الاطراف المختلفة الى مرحلة من الإنهاك لا يمتلكون معها ترف الاختيار او المماطلة و يصبح تطويعهم للقبول بسيناريو معين مسألة ليست صعبة .

– ان مفاوضات اللجنة الدستورية المشتركة بين مجلسى النواب والدولة المنعقدة فى القاهرة والتوصل الى تفاهم مشترك بشأن القاعدة الدستورية والقوانين المنظمة للانتخابات ورسم ملامح المرحلة القادمة اضحى خيارا استراتيجيا ينبغى التمسك به و المضى فيه قدما حتى الوصول الى نتائج بناءة فالوضع المحتقن بحاجة ماسة الى انتاج حالة من التوافق حتى وإن بدى هشا الا انه يبقي امرا بالغ الاهمية لوأد خيار العنف الذى تسعى له حثيثا بعض الاطراف فى الداخل والمرتبطة باطراف إقليمية تعمل على تغذية الصراع وهذا بدوره يبدد كل الجهود التى بُذلت خلال العامين المنصرمين للخروج من ساحات الحرب الى طاولة المفاوضات , ثمة ضرورة ملحة لابقاء الصراع سياسيا والحيلولة دون تطوره الى مواجهات عسكرية قد تقود الى سيناريوهات قاتمة ربما ترقى الى تهديد وحدة البلاد وسلامتها الاقليمية .

-أن التوافق الذى توصلت إليه اللجنة الدستورية المشتركة بالامس بشان 137 مادة دستورية ينبغى البناء عليه و إستكماله حتى تتويجه باتفاق شامل مؤطر بتواقيت زمنية محددة ونهائية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية .

-ان النزاع القائم على الشرعية لابد له من مخرج حتى تصبح هناك جهة تنفيذية قادرة علي العمل فى كل ربوع البلاد لتحقيق الحد الادنى من الاستقرار وتهيئة المناخ الملائم لإجراء الانتخابات وهي مسؤولية تضامنية مشتركة بين الاجسام السياسية الليبية و الأسرة الدولية والبعثة الأممية .

مقال/ محمد السلاك متحدث سابق باسم رئيس المجلس الرئاسى الليبى ومدير تحرير المختار العربى

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر