اسباب فشل النظام البرلماني في العراق : تجربة للأتعاظ من دروسها في صياغة الدستور في سوريا

 

لم أصفْ ، في مؤلفاتي و كتاباتي عن الموضوع ومنذ عام ٢٠٠٥ ، نظامنا السياسي بنظام برلماني . أَسميّتهُ بنظام مجلسي (نسبة الى هيمنة مجلس النواب ) ، و لافتقاره الى الغرفة او الهيئة الثانية التي تُكمل البرلمان ، والتي تُسّمى ، وفقاً لدستورنا بمجلس الاتحاد ، والدستور اكتفى بمنح الاسم للمجلس قبل ولادته و دون ولادته حتى يومنا هذا . الامر الذي جعل السلطة التشريعية بيد مجلس النواب ، والذي هو ،في حقيقة الامر ،مجلس احزاب  

في نظامنا السياسي ، رئيس الوزراء ليس له ايّ سلطة على مجلس النواب ،لا بل رئيس الوزراء هو تحت رحمة مجلس النواب ،اي تحت رحمة الأحزاب ، وخاصةً إذا افتقرَ رئيس الوزراء الى حزب او أغلبية نيابية تدعمهُ . في بريطانيا العظمى ، حيث النظام السياسي نموذجاً للنظام البرلماني ،لرئيس الوزراء سلطات تنفيذية واسعة ،وله الحق في حلْ البرلمان ، و الدعوة الى انتخابات برلمانية مُبّكرة ،بعد إعلام الملكة 

إدارة الدولة  و منذ عام ٢٠٠٤ وليومنا هذا ، هي انعكاس لنظام سياسي تديره الأحزاب ،ومن خلال مجلس النواب ، و وفقاً لمبدأ التوافق والتراضي و التغاضي ،ولكن غالباً ما يتم ذلك على حساب مصلحة الدولة والمجتمع والمواطن 

لم اخفْ تحفظي ، على تبني النظام البرلماني او النظام السياسي الحالي ،عند إعداد وكتابة الدستور ، و في اجتماعات غير رسمية ، انعقدت قبيل تشكيل لجنة صياغة الدستور ،طرحتُ فكرة تبني نظام رئاسي او شبه رئاسي في العراق و بيّنتُ حينها مخاطر و مساوئ النظام البرلماني في العراق ، والتي أدّت و قادت الى الفشل ، واليوم ، يُعّبرُ الشعب صراحة عن لزومية إصلاح النظام وإصلاح الدستور وعن امتعاضه من هيمنة الأحزاب ، ويتوجّه بغضبه وامتعاضاه تجاه رئيس الوزراء ،  وهو لا يعلم بأنَّ   “الحلْ والربط ” ،بيد مجلس النواب وليس بيد رئيس الوزراء 

لماذا توّقعت ُ حينها  (عام ٢٠٠٥) ، فشل النظام البرلماني او ،كما أُسميه ،النظام المجلسي في العراق ؟ 

عاشَ العراق ،اكثر من أربعين سنة ، في دكتاتورية مقيته ،و حروب و حصار و احتلال ، وخرجَ وهو مُستهدفْ من الأشقاء و الأصدقاء و الأعداء ،والدليل على استهدافه ، هو ما عاناه و واجهه من ارهاب وقتل وتشريد و خراب و فساد إلخ … وما يعانيه اليوم من تظاهر مشروع و تآمر مفضوح 

كانَ العراق بحاجة الى نظام سياسي يسمح له و يُعينه على بناء الدولة  أمنياً و عسكرياً واقتصادياً و سياسياً 

كان العراق بحاجة الى حكومة او سلطة تنفيذية قوية قادرة على اتخاذ قرارات لبناء الدولة و توفير الخدمات و حماية الأمن والثروات 

النظام البرلماني او النظام السياسي في العراق لم يسمح للسلطة التنفيذية في العمل ،لم يسمح لها باتخاذ القرارات ، وهذا ما يفسّر تفشي الفساد ، واستسهال العمالة و الخيانة ، و غياب الإنجازات و المشاريع وغياب الاستثمار والبناء ، لأنَّ صاحب القرار هو مجلس النواب ،اي بعبارة أخرى ،الأحزاب ،وهذه انشغلت في المغانم والمكاسب والتسقيط 

وما ذُكِرَ على مجلس النواب مِنْ مآخذ و عيوب ،يصّحُ ذكرهُ على مجالس المحافظات ،التي كانت حلبة صراع وتنافس  بين الأحزاب والتيارات ، وعلى حساب المصلحة العامة 

ما يصحُ على حال العراق ،يصحُ على حال سوريا ،و الدولة الآن في مرحلة التعافي و إعداد الدستور ، وفي مرحلة تحدي وتصدي ، ليس في مصلحتهم نظام برلماني يُجّرد السلطة التنفيذية من صلاحيات وقدرات البناء والتعمير والدفاع والأمن .ليس في مصلحتهم نظام يترك شؤون الدولة والمجتمع بيد الأحزاب ،ليس في مصلحتهم تبني نظام لا يمثل مباشرة إرادة الشعب من خلال انتخاب مباشر ، ومن قبل الشعب ،لرئيس الجمهورية مع صلاحيات تسمح له بقيادة الدولة والحفاظ على سيادتها 

                   د . جواد الهنداوي – سفير سابق

                     المركز العربي الأوربي للدراسات و تعزيز القدرات 

                     في ٧ / ١١ / ٢٠١٩ 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر