مناطق آمنة أم دولة كردية

من يتأمل مشهد دعم الولايات المتحدة فى ظل ادارة الرئيس الجديد دونالد ترامب لقوات سوريا الديمقراطية (الكردية) بالاسلحة الثقيلة والمدرعات الحديثة، ومن يقراء ما بين سطور الدستور الروسي المقترح للدولة السورية، وينظر جيدا للتوقيتات الزمنية التى تم فيها اتخاذ تلك الخطوات وما سنطرحه الان سيدرك أن هناك شيئا ما يتم العمل عليه بالورقة الكردية.

فالدستور الروسي الذى قدم منذ عام تقريبا قبل أن يعود مجددا فى العلن، بعد أن أدركت موسكو أن وقتها لم يكن المناسب لطرح ذلك المشروع، ولكن الان وبعد تصريحات سيرغيه لافروف الذى قال فيها “لولا تدخل روسيا لضاعت دمشق فى ظرف اسبوعين” وهو التصريح الذى حمل رسالة مباشرة لكلا من طهران ودمشق، قد جاء الوقت المناسب لطرح ذلك الدستور الذى ينزع الهوية العربية عن الدولة السورية، ويكتب بين سطوره شهاد ميلاد الدولة الكردية، وأذا كان هذ هو المشهد بموسكو فواشنطن كانت حاضرة أيضا وعلى نفس الخط، فالدعم السخي من البنتاجون لقوات سوريا الديمقراطية، أجبر صالح مسلم على شكر الولايات المتحدة علنا، قبل أن يطلق دونالد ترامب مشروع المناطق الامنة، وبرغم أن اردوغان طرح ذلك المشروع منذ سنوات بنفس تفاصيله الحالية، الا أن موسكو دائما ما كانت تنزع مثل تلك الافكار من عقل أردوغان، والان وبعد طرح ترامب لنفس المشروع لم يتلقى ترامب أي أستجهان من موسكو بل رحب به وزير الخارجية الروسي سيرغيه لافروف، وحقيقة الامر مشروع المناطق الامنة لايخدم الاجئين السوريين كما يروج البعض، بل هو يرسم الخطوط الاولى للدولة الكردية، ولذلك تراجع اردوغان سريعا عن فكرة تقدم علمية درع الفرات بعد مدينة الباب (المحاصرة حاليا بين الجيشين التركي من الشمال والسوري من الجنوب) لإن اردوغان أدرك جيدا ان أي مناطق امنة فى ظل الظروف الراهنة ستتحول لبؤرة صراع عرقية ستنعكس بشكل مباشر على الداخل التركي، فى ظل الحرب الشرسة التى يخوضها الاكراد ضد الامن التركي داخل الحدود التركية، حتى وأن أشرفت تركيا على تلك المناطق.

وبتأكيد تلك المشاهد لم تكن بعيدة عن اللقاء الذى دار بين العاهل الاردني والرئيس الامريكي أثناء زيارة الاول للولايات المتحدة، أن لم يكن مشروع المناطق الامنة هو أساس وصلب الحوار الدائر بينهم، وربما قد أتى قبل ملف نقل السفارة الامريكية للقدس نفسه، وأذا كانت واشنطن تحضر أدواتها للتعامل الجديد مع الملف السوري، فالرئيس الايراني يتحضر لزيارة موسكو فى ظل حالة عدم انسجام واضحة بين موسكو وطهران على ما تنتهجه موسكو مؤخرا تجاه دمشق، بجانب حالة التنافس الشرسة على الكعكة السورية برغم عدم أنتهاء المعركة، بعد أن وقعت ايران على خمس أتفاقات مع سوريا مؤخرا تضمنت منح رخصة للإيرانيين لإنشاء وإدارة شبكة جديدة للهواتف المحمولة، وتخصيص 5 آلاف هكتار من الأراضي السورية لتأسيس مصفاة نفطية و5 آلاف هكتار أخرى لمشروع زراعي، وأعطاء الحق في إدارة مناجم الفوسفات جنوب مدينة تدمر، علاوة على حق استغلال أحد الموانيء السورية، وربما نرى الحرس الثوري الايرانى بمرفأ الاذقية قريبا، فكل ذلك يجعلنا ننتظر ما سيسفر عنه لقاء بوتين وروحاني، وما يحضره خامئني قبل ذهاب روحاني لموسكو، وكيف سيكون شكل ترمومتر التوتر بين ايران وترامب، فى ظل أستعداد اسرائيل لخوض المعركة الثالثة ضد حزب الله.

والامر الذى يؤكد رؤيتنا نحو تحرك جديد بالورقة الكردية هو بحث الحزب الديمقراطي الكردستاني الذى يتزعمه مسعود بارزاني مع التحالف الوطني الذى يترأسه عمار حكيم مسألة انفصال إقليم كردستان بشكل مباشر وعلني فى خطوة هى الاولى من نوعها.

المشهد الحالى يطرح سؤال هام، هل هناك تنسيق سري ومن البداية بين واشنطن وموسكو نحو مصير الاكراد، كما أن ما يزيد القلق هو غياب صوت دمشق فى مشاهد خطيرة جدا كانت تحتاج للتعليق، بالتزامن مع أطلاق حملة شائعات حول صحة الرئيس بشار الاسد، فى ظل وضع سوري ميداني معقد جدا داخليا، ولاننسى أن معركة حلب هي أخر المعارك العسكرية الروسية على أرض سوريا، وأن بوتين سيعول على التنسيق مع تركيا وادارة ترامب، ملتزما بنصائح جنرالات الجيش الروسي الذين طالبوه بمنتص العام الماضي بضرورة الانسحاب من سوريا قبل حلول 2017 لما تتكبده الخزانة المالية للجيش الروسي من تكاليف باهظة، وفى ظل فتح أولى صفحات الملف الليبي، وبتأكيد أذا أنتج سايكس بيكو الثانى الدولة الكردية فهذا لا يغضب ما أنتجه سايكس بيكو الاول منذ مئة عام الا وهى دولة الاحتلال الاسرائيلي، فنقاط التقاطع بين المشروعين كثيرة جدا، كما أن تل أبيب لم تكن يوما بعيدة عن ذلك الكيان وقت أن كان جنين فى ايامه الاولى، فهل ينتج لنا الترسيم الجديد بعد تقسيم المقسم دولة الاكراد وحينها تعود كلمه الفدرلة بالملف السوري من جديد.

فادى عيد

الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط

fady.world86@gmail.com

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر