بعد الاستفتاء الأمن الاستراتجي للعراق هو أمن أقليمي

 أسباب و تطورات سياسية عاشها ولايزال العراق و تشهدها دول المنطقة قادتني لاختيار  عنوان المداخلة . من بينها و احدثها او أخرُها البيان الثلاثي المشترك العراقي الايراني التركي الذي صدر في ٢٠١٧/٩/٢٠ في نييورك بعد اجتماع وزراء خارجية الدول المذكورة و على هامش الاجتماعات واللقاءات السنوية للأمم المتحدة . وهو بيان رفض للاستفتاء الكردي وعدم الاعتراف بنتائجه       

          مَنْ هم مهمومين بما يجري الآن في العراق و ما يواجهه من خطر انفصال الإقليم عنه والاستيلاء على كركوك ومناطق اخرى هما ايران و تركيا ،اي الدول الإقليمية التي تحُدّنا و ليس اخوتنا العرب او عُمقنا العربي او الحضن العربي ، وجيراننا من الفرس و الترك يشاركوننا الحدث او الهّمْ ليس بالكلام والتصريحات الموزونة و المعّبرة والتي تتحدث عن سيادة و وحدة اراضي العراق فقط و إنما بالفعل ايضاً . صحيح القول بأنَّ مصلحتهم تقتضي علاج الداء في العراق قبل ان ينتشر و يصل اليهم ، ولكن هذه هي السياسة ومن فنونها ان نجد وننّمي المصالح المشتركة بَيّننا و بينهم . وحدة تراب العراق و سيادته هي الآن مصلحة أمن قومي و استراتيجي للعراق ولإيران و لتركيا ،البلدان لم يبخلا في جهديهما و وساطتيهما و تحذيريهما للإقليم لثنيه عن المضي قدماً في إجراءات الاستفتاء و تأكيده  السيطرة على كركوك . هذه المصلحة الاستراتيجية المشتركة والتي تمسُّ الأمن القومي للعراق ولإيران و تركيا ينبغي اعتبارها ركيزة لتنمية شاملة للعلاقات الاقتصادية والأمنية والسياسية و هذه التنميةالمنشوده خاصة في شقها الاقتصادي  تتطلب و تستلزم استرجاع كركوك و آبارها الى العراق . لم نلمس من عمقنا القومي العربي اهتمام او ردود فعل تناسب حجم الحدث او تتضامن مع وحدة و سيادة العراق ، ولا نعلم كيف نُفّسر توقيت ادانة البحرين لمقاطعة العرب زيارة اسرائيل والمنطقة  تعيش حدث يهدّد أمنها و استقرارها ومن يدعم ويساهم في وقوع هذا الحدث هي اسرائيل ! هل هي الصدفة و ليس إرادة في التوقيت  ؟ ولكن لا وجود للصدفة في عالم السياسة . هل هي ضرورة و حاجة قصوى و حَبَكَتْ الآن ؟ و لكن مَنْ انتظر عقود على حرمان العرب من زيارة اسرائيل كان ممكناً له أنْ ينتظر ايام حتى تمّرُ ازمة الاستفتاء مثلاً! و للإشارة فقط دون تفصيل نلاحظ بأن الموقف الرسمي للبحرين ازاء الاستفتاء لايختلف عن موقف المملكة العربية السعودية والذي صدر يوم ٢٠١٧/٩/٢١  و مصدره وزارة  خارجية المملكة (مداخلتنا ليوم ٢٠١٧/٩/٢١  وبعنوان ابعاد الدعم الاسرائيلي لاستفتاء كردستان ) . البيانان عولاّ و أكدا على حكمة وحنكة السيد مسعود برزاني في تأجيل او إيقاف الاستفتاء لان وحسب ما جاء في البيان وقت الاستفتاء  غير مناسب والمنطقة تّمر بأزمات و الامر لا يساعد على الأمن و الاستقرار في المنطقة ! لا ذكر في البيان عن سيادة و وحدة تراب العراق و دستوره

ظاهرة الارهاب او معركة الارهاب هي مشهد اخر عاشه العراق و لسنوات  دون نجدة او حتى موقف حيادي  من عُمقنا العربي او (الحضن العربي ) ، و كأنَّ الاعتقاد السائد في استراتيجية عمقنا العربي خلال تلك السنوات  هو أنَّ غياب الاستقرار والأمن عن العراق بغية تغيير نظامه السياسي هو شرط و ضمان لأمن و استقرار اخواننا العرب او بعضهم !  اعتقدوا او للدقة بعضهم و لايزالون أنَّ ضُعف العراق  يَصْب في مصلحتهم . مَنْ أعاننا في محاربة الارهاب و  بعد فتوى المرجعية  الجارة ايران وتحالفاتنا الدولية . لم نتلقى عوناً او دعماً من محيطنا العربي والمفترض به ان يكون عمقنا الأمني و الاستراتيجي . ما  واجهه العراق  و ما حلّ في دول عربية و ما بقيّ من القضية الفلسطينية شواهد شاخصة ودالة على غياب أمن قومي عربي سياسي و عسكري او اقتصادي و غذائي  الخ …              استنتاج يقودنا الى تبني استراتيجية أمنية إقليمية قائمة على المصالح الاستراتيجية المشتركة ( الأمن ،السيادة ،وحدة البلد ،الاقتصاد، الماء الخ … )  . وما يعزز ضرورة تبني استراتيجية أمنية أقليمية هو  ليس فقط غياب أمن عربي قومي و إنما  ايضاً و في الوقت الحاضر  نرى ان أمن اغلب الدول العربية هو أمن مستورد ، بعضها محمية  بقواعد عسكرية و اخرى تحت الهيمنة  الاسرائيلية 

ينبغي ان يرتكز أمننا الاستراتجي الإقليمي  على اعتبارات سياسية ومصالح  وليس بموجب  روابط قومية او دينية او طائفية .  وما جاء اليوم في خطاب السيد ر . الوزراء الدكتور العبادي من رفض تجزئة العراق و إقامة كيانات على اساس قومي او مذهبي هو تعبير عن سعي  العراق  الجديد الى اعتماد مفهوم المواطنة  .  أنَّ مصلحتنا الآن  وبعد استفتاء  الإقليم تستدعي ليس فقط التنسيق مع تركيا و إنما  جعلها و اعتبارها  قطبنا الشمالي لأمننا الاستراتيجي العسكري و السياسي والمائي .  تدرك  تركيا الآن بانها  راهنت  و خسرتْ مرتينّ : راهنت  على داعش و خسرت  و راهنت على حليفها  السيد مسعود برزاني و خسرت . والسيد اوردغان يقود  سياسته الخارجية بمعول هوائي سريع و سهل الدوران .  رهاناته الخاسرة ستعزّز قناعاته  بدعم مقومات الدول التي تحيط به 

د. جواد الهنداوي  في ٢٠١٧/٩/٢٤

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر