تَكْسِيْرُ فَائِضِ القُوَّةِ الـمُتَوَازِيَةِ مَعَ خَطِّ الْوَطَنِ

يتكوَّن خَطُّ الوطن من تلك النِّقاط المتراصَّةِ مواطنين، والقيم الحميدة ترسِّخ سيادتهم تاريخًا عبر الزمن؛ حيث الحقوقُ تمارسُ، والواجباتُ تؤدَّى، والمسئولياتُ تحملُ، والمأمولُ لا ينفصلُ عن المستقبلِ رفعةً، والإرادةُ لا تنكسرُ أبدًا

ولأنَّ الخطوطَ المتوازيةَ لا تلتقي ما لم تصطدمْ بخطٍ قاطعٍ لتمدداتها؛ فتنكسرُ أمامَ فائض القوَّة المعترضِ لتلك الخطوطِ المتوازيةِ، فهنا قد تتغيَّر القراءاتُ والحساباتُ أو السياساتُ مما يجعل الاندماج بين الخطوط المتوازية في دائرة المتوقع ممكنًّا، ولتوضيح ذلك أقتبسُ الـمَثَلَ العربيَّ القَائِل: (أَنَا وَأَخِي عَلَى ابْنِ عَمِّي، وَأَنَا وَابْنُ عَمِّي عَلَى الْغَرِيبِ) فتنشأ تحالفاتٌ جديدةٌ على حسابِ الوطنِ أو مِنْ أجلِهِ

وَمِنْ ثَّم فخطُّ الوطنِ لا يكون إلا بالجميعِ وَمِنْ أجلهم، أما الخطوط المتوازية معه فلا تكونُ إِلَّا على حسابه، مما يستدعي وجوب تكسير فائض القوَّة، الذي يُشَكِّل خطرًا على الوطن قبل أن تَسُودَ الخطوطُ؛ اقتتالًا ونهبًا لثرواته وهدًّا لسيادته

إِذَن: إِذَا أردنا وطنًا وسيادةً فينبغي أن نقبلَ بدفعِ الثَّمنِ الـمُمَكِّن من تكسير فائض القوى التي تهدد أمنه وسلامة شعبه وسيادته، وفي المقابل إذا قبلنا بانكسار السيادةِ والإرادةِ فَلا داعي للتعبيرِ وإلقاءِ الخطابات النَّاريَّة، والظهور في القنواتِ المرئيَّة والاستئساد على الضعفاءِ

وعَلَيْهِ: فَلا إمكانية لعزةِ وطنٍ والخطوط المتوازية معه لها من فائضِ القوةِ ما لها

ولذا فعندما يتغوَّل الأفرادُ أو الجماعاتُ أو القبائلُ أو الأحزابُ، أو الطوائفُ والطبقاتُ على حساب خط الوطن؛ تضيعُ مصالحُ الشَّعْبِ، وتتشتتُ قُوَاهُم، وتنهك طاقاتهم؛ فيتحولون إلى خصوم وأعداء، ويتحولُ الوطنُ إلى تِيهٍ والمواطنون فيه ضياعٌ؛ ولهذا لا مُهْلِكَ للوطنِ إِلَّا الـمُتَغَوِّلُونَ سلطةً أو ثروةً أو عصبيَّةً، وكذلك الـمُتَأَدْلِجُونَ لأيِّ فِكْرَةٍ أو فِكَرٍ؛ الذين لا يرون الوطن إِلَّا بأعينِ الْغَيْرِ

وأَقُولُ: إِنَّ أخطرَ الـمُتَغَوِّلِينَ هم الـمُسْتَولُونَ على الحكم بفائضِ القوَّة على حساب سيادةِ الوطنِ كما هو حال الانقلاباتِ العسكريَّةِ، التي يقودُهَا فردٌ أو مجموعةُ أفرادٍ؛ عَسْكَرَةً للدَّولةِ على حساب مَدَنِيَّتِهَا ووطَنِيَّتِهَا وإرادة شعبها، وفي المقابل عندما يكون الجيشُ وطنيًّا فلا إمكانيَّة لنجاحِ هذه التَّغَوُّلَاتِ؛ ولذا دائمًا الجيوشُ الوطنيَّةُ حاميةٌ للحدودِ، وصَائِنَةٌ للدَّساتيرِ، وحاميةٌ لمؤسساتِ الدَّولةِ كلما تعرضت لخطر

وَمِنْ ثَمَّ عندما ينتخبُ الشَّعْبُ ممثلينَ له ونوابًا عنه فلا خَطَّ لهم يسيرونَ عليهِ إِلَّا خط الوطن، ومع ذلك فلكلِ قاعدةٍ استثناءٌ؛ فمتى ما انقلبَ الممثلونَ وتوازوا مع خطِّ الوطن انقلب الشَّعْبُ عليهم إرادةً وسيادةً

وهكذَا تتوازى الخطوطُ استثناءً مع خط الوطن بعللِ فائضِ القوَّة التي ينبغي أن تكسَّر في مهدهَا قبل أن تتحول إلى غول على حسابِ قوَّة الوطنِ وسيادةِ شعبِهِ كما حدث في جمهورية مصر العربية الَّتي فاز فيها مرشح حزب الحريَّة والعدالة الممثل لجماعةِ الإخوان في انتخابات الرئاسة عام 2012م، والَّذي لم يدمْ حكمه إلا عامًا واحدًا فقط؛ إِذْ حاولَ حِزْبُهُ أن ينقلب على مؤسسات الدَّولةِ الوطنيَّةِ؛ لتكون ولاءاتها تابعةً له بدلًا من ولائِهَا للهِ وانتماءِ رِجالاتِهَا للوطنِ، وأتذكَّرُ يوم 23-11- 2012م؛ حيثُ كانَ الرئيسُ /محمد مرسي يوجِّه خطابَه لتجمعِ الإخوانِ بقولِهِ: (أَهْلِي وَعَشِيرَتِي) في الوقِت الذي يتظاهر فيه الشَّعْبُ المصريُّ في ميدان التَّحريرِ فِي الساعة والتاريخ ذاتهما 23-11-2012م، وكأنَّ هؤلاء ليسوا بِأَهْلِهِ وَلَا عَشِيرَتِهِ

والسُّؤالُ: أَلَا يكون خطُّ (أَهْلِي وَعَشِيرَتِي) خطًّا موازيًا لخطِّ الوطن وعلى حساب سيادة شعبه؟! ولأنَّه كان موازيًا انتفضَ الشَّعب المصري والجيش الوطني يسنده ويناصره حتى تمَّ إسقاطُ حكمِ (أَهْلِي وَعَشِيرَتِي) بإرادةِ الشَّعْبِ لا بالخطوطِ المتوازيةِ معه

وهكذا سيكون حكم الطائفيَّة خطًّا متوازيًا مع خطِّ الوطنِ كما هو الحال في (لبنان)؛ إِذْ لا مستقبل آمن للبنان والشَّعب اللبناني والخطوط المتوازية معه خطوطًا تمتلك فائض القوة على حساب قوة الوطن، وكذلك لا مستقبل للعراقِ وخطوط الشِّيعَةِ والسُّنَّةِ تمتلك فائض قوة على حسابه، وهكذا لنْ يكونَ هناك مستقبلٌ آمنٌ لليمنِ وفيه أكثر من حكومة أو قوة مسلَّحة تُغَذِّيهَا قوىً خارجيَّةً بالحقدِ والكرهِ لإخوانِهم في الوطنِ

ولأنَّ الخطوطَ المتوازيةَ مع خط الوطن لا تكون إلا على حسابه كانت الخطوطُ المتوازية في ليبيا على حساب الليبيين ومصالحهم وحاضرهم ومستقبلهم؛ ولهذا لا إمكانيَّة لقيام الدولة الليبيَّة ما لم يكسر فائض القوة التي تهدد أمن الدَّولة ومواطنيها، ولا إمكانيَّة للسيادةِ الوطنيَّة وفي الدولة أكثر من حكومة وأكثر من مجلس متوازٍ مع غيره على حساب قيامِ الدَّولةِ الوطنيَّةِ

وَعَلَيْهِ: فَلَا إمكانيَّة لقيامِ الدَّولة ولا مستقبل لأي دولةٍ والعصابات فيها والمليشيات تتغول على حساب أمن الوطن ونموه، وأيضًا لا إمكانيَّة لقيامِ الدَّولة ورؤوس الخطوطِ المتوازيةِ مع خط الوطن تُـحَرَّكُ مِن الخارجِ؛ تَبَعِيَّةً وَعَمَالَةً وإن كانت شعاراتها: مِنْ أَجْلِ الْوَطَنِ

وحتَّى لا تلهينا الشعاراتُ الزائفةُ علينا أن نميِّزَ بين مفهومي: (الْوَطَن، وَالوطَنِيَّة)؛ فالوطنُ هو الأرضُ الَّتي لا تُبُاعُ وَبِأي ثَمَنٍ، والأَنْفُسُ الْغَالِيَةُ ترخصُ مِنْ أَجْلِهِ، ومع ذلك فالوطنُ ليس الترابُ وحده، بل الشَّعْبُ سيدا على أرضِهِ هو المالكُ لترابِهِ كَامِلًا

أما الوطنيَّةُ فهي التشبُّثُ بالسيادةِ الوطنيَّة والتمسكُ بها وعيًا بوافرِ الإرادةِ والرغبةِ مع ثبات وديمومة يجعلان للأرض قيمةً، وللملكيَّةِ قيمةً، وللحياةِ قيمةً مـمَّا يجعلُ الوطن ملكًا للجميع، وثرواته لا تستغل إلا من أجل مواطنيه نهوضًا ورفاهيةً

ولِذَا لَا يَنْبَغِي أنْ تسودَ أيُّ قوةٍ على حسابِ قوَّةِ الشَّعبِ وسيادتِهِ الحرَّة؛ ومن ثم فمن يرى نفسه قوةً على حسابِ قوَّة الشعب يُعَدُّ خطرًا ينبغي أَنْ يكسَّرَ قبل أن يصبح خطا متوازيا مع خط الوطن وإرادة شعبه، ومن هنا يجب أن نميز بين القوَّة وفائض القوَّة؛ فالقوة حيويَّةُ الحركة والتمدد من أجل البقاء المشبع للحاجات المتطورة والذي لا يكون على حساب الغير (القوة خير). أما فائض القوة فهو زائدُ الحيويَّة التي تمكن من التمدد قهرًا على حساب الغير؛ ذلك لأن فائض القوة عندما يتوازى مع خط الوطن لا خير فيه أبدا

ومع أن الخطوط المتوازية لا تكون إلا على حساب خط الوطن فإن مجموع قوى الخطوط المتوازية يكون أكثر خطرًا من توازي الخطوطِ المتعددة معه؛ ولهذا فإن جهود المبعوثين الأمميين كما هو الحال في ليبيا واليمن لا تكون إلا أكثر خطورة على الليبيين واليمنيين؛ وذلك لأن تجميع الخطوط المتوازية مع خطِّ الوطن تؤدي إلى تعظيم فائض القوة التي كانت فائض قوى متفرقة؛ ولذا وجب الانتباه لجهود المبعوث الأممي لليبيا السَّيد/ غَسَّان سَلَامة

هل جهوده من أجل الليبيين أم إنَّها من أجل الرؤوس المالكة لفائض القوة المتوازية مع خط الوطن؟ أي: إذا كانت الجهودُ الدوليَّةُ من أجل الوطن فهي الجهود الموجبة لانها لابد وأن تؤدي إلى تكسير فائض القوة المتوازية مع خط الوطن سلاحا ومالا واحتكارا لمؤسسات الدولة، أما إذا كانت الجهودُ الدوليَّةُ من أجل إنقاذ القوى المتوازية مع خط الوطن فهنا يصبح المبعوث الأممي خطًّا إضافيًّا موازيًا لخط الوطن؛ وهنا لا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج

أ.د/ عقيل حسين عقيل

9/2/2020

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر