بث روح جديدة في التنمية المستدامة

إن فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة هو ما أسماه ألبرت أينشتاين بالجنون. ورفض أن يؤمن بفكرة عدم القدرة على التنبؤ المتأصلة في العالم. كما تساءل عما إذا كان العام ما دون الذرة مجنون أم خفي؟ ما وصفه اينشتاين بالجنون قد ينطبق بصورة صحيحة على بعض الأساليب المتكررة المستخدمة في تعزيز التنمية. نحن ندعم الحكومات في التوصل إلى لوائح جديدة، غير أنه وفي معظم الأحيان لا يتم سد الفجوة بين اللوائح والحقيقة الواقعة  ولا يستفيد الناس من التغييرات. فعلى سبيل المثال, نحن نعيد تأهيل المدارس ولكن معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة لا ترتفع بالضرورة، ونبني المستشفيات ولكن لا يزال هناك أشخاص يموتون من أمراض يمكن الوقاية منها وعلاجها.

لقد أدركنا أن هنالك عدد مفرط من مبادرات التنمية – على الرغم من حسن النية- والتي في المقابل لها تأثير ضئيل على حياة الناس. أليس من الواضح الآن أنه لإحداث تغيير في مجال التنمية، يجب أن نتجاوز تكرار تبني نفس التدابير وتوقع نتائج مختلفة؟

رؤية الحياة كما ينبغي

أود أن أقول إننا ربما نكون عاقلين أكثر من اللازم، أخذا بكلمات السيد ميغيل دي سرفانتس سافيدرا، مؤلف كتاب “دون كيهوتاي”، عندما قال “إن التعقل المفرط قد يكون أسوأ الأمور المجنونة؛ انظر إلى الحياة كما هي وليس كما ينبغي أن تكون.”

إن مفهوم “الجنون” مفهوم متناقض حيث يمكن إثبات ذلك من خلال تطوره عبر التاريخ. ففي العصور القديمة, مصطلح الجنون له دلالة سلبية، حيث ارتبط هذا المفهوم بالظواهر الخارقة والشيطانية. وفي نهاية القرن التاسع عشر، بدأ تصور الجنون كسلوك موجه ضد الأعراف الاجتماعية. أما في أيامنا هذه، فقد تم الاعتراف بالجنون كشكل ضروري من أشكال  العبقرية والرشد. ومن الأشخاص الذين وصفوا بالجنون في زمنهم الباحث الفارسي محمد بن موسى الخوارزمي ، إدغار آلان بو، تشارلز داروين، ماري كوري وليوناردو دافنشي.

تأسس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1965 لمساعدة البلدان في القضاء على الفقر وتحقيق التنمية البشرية المستدامة. فكرة مجنونة، أليس كذلك؟

إتاحة الفرص أمام الجميع

لطالما آمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإتاحة الفرص في هذه الحياة للجميع من النساء والرجال والأطفال والأجيال القادمة. لقد قام البرنامج بدعم البلدان في تطوير السياسات، ومهارات القيادة، وإقامة الشراكات، والقدرات المؤسساتية، وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمساواة.

نحن نعيش في وقت تتشكل فيه حياتنا بشكل عميق من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. لقد تغير المجتمع البشري بشكل كبير وبطرق يصعب تخيلها منذ بضع سنوات، حيث إن هناك عدد لا حصر له من المبادرات الجديدة “المجنونة” في جميع أنحاء العالم. وكما يقول مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر: “لقد أدركنا أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بحاجة إلى الاستفادة من الدروس المستخلصة في مجالات الابتكار وريادة الأعمال لتقديم نهج أكثر فعالية لتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة”.

بث روح جديدة من أجل التنمية المستدامة

تعد مختبرات التسريع التابعة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتي يبلغ عددها 60 مختبراً، هي الطريق لسلك مسار “الجنون” وبث روح جديدة في مجال التنمية المستدامة.

في ليبيا، كان هناك نوع آخر من الجنون والذي يعاني منه الناس منذ فترة طويلة. فبعد التغييرات الواعدة في عام 2011، ظلت البلاد رهينة للانقسامات والعنف والذي تمثل في صراع طويل الأمد، ما منعهم من المضي قدماً في طريق التنمية، الطريق الذي من خلاله يتم تحقيق الإمكانات الهائلة للأفراد والموارد.

قد يبدو تحقيق التنمية المستدامة حلما لا يمكن الوصول إليه، حيث يتم التضحية بأرواح كثيرة في الحرب، وتهجير الكثير، كما يعاني العديد من المهاجرين من الاستغلال وسوء المعاملة ومنهم من يقضي نحبه في البحر. أيضاً أدت تداعيات الحرب غلى إثقال كاهل النساء، فقد عانين من العنف وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، كما حُرم الأطفال من حقهم في الحصول على تعليم جيد ولم يحصل الناس على الخدمات الصحية الضرورية.

سلك نهج مختلف!

في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، نؤمن بوجود نهج مختلف يمكن اتباعه. هناك أناس يتسمون بالالتزام والفاعلية وعلى أتم الاستعداد والحرص لبناء مستقبل مختلف. لقد اخترنا “الجنون العبقري” لتمكين الأشخاص المبتكرين من البحث عن طرق لحل مشاكل التنمية. حيث تم تصميم مختبر التسريع في ليبيا كعامل لتحفيز التنمية.

ستتيح الدورة القصيرة من التجارب وتوسيع الأفكار الناجحة للمبتكرين أن يتعلموا بسرعة من أوجه النجاح والإخفاق على حد سواء.

لقد أنشأنا بالفعل فريق داخل المكتب القطري. وبعد اجراء مخيم تدريب مكثف، والذي تعرف فيه الفريق على أكثر التقنيات والأدوات فعالية، عادوا إلى ليبيا لتنفيذ أفكارهم. إن أولويتنا للمائة يوم المقبلة هي إدارة النفايات الصلبة – وهو تحدي كبير يواجه البلاد في الحياة اليومية.

سيجمع مختبر التسريع التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ليبيا بين منظمات محلية وشركات خاصة تتوق للعمل مع مجتمعاتها ومؤسساتها الحكومية والتي تحتاج إلى دعم لتنفيذ السياسات لمواجهة التحديات مثل إدارة النفايات الصلبة. سوف يختبرون أفكارهم بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وأيضا والشركاء.

تجربة شيء مختلف!

بسبب النزاعات التي تمر بها ليبيا منذ عام 2011، فإن معظم المبادرات التنموية التي تم تنفيذها في البلاد تهدف إلى الصمود أمام تداعيات الحرب. الآن نحن نسعى لتجربة شيء مختلف.

قد يصفوننا بالجنون، ولكن الجنون فقط يمكنه أن يحدث فارقاً. وكما قال ويليام بليك، “إذا استمر المجنون في جنونه، فسيصبح حكيماً”. إننا ننخرط في هذا العالم الذي يصفه الكثيرون “بالجنون”، للمساهمة في السلام والاستقرار وتحقيق مستقبل أفضل في ليبيا. كما نأمل أن ينظر الناس قريباً إلى جهودنا “المجنونة” على أنها فرصة بسيطة للعباقرة

 

*الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا السيد جيراردو نوتو

 

 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. إقبل إقرأ أكثر